الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحوال من أعطى مالا لابنه وتوفي الأب ولم يرد الابن المال

السؤال

أخي الأصغر وقع في مشكلة: فقد أخذ مبلغ ٨٠٠ ألف جنيه من بعض الناس، بهدف تشغيلها في التجارة. ولم ينجح، وأضاع المال؛ فطالب الناس بأموالهم.
قام أبي ببيع جزء مما يملك من أراض وعقارات؛ لسداد أموال الناس عنه، وتم السداد. ولم يخبرنا أخي أين ذهبت كل هذه الأموال.
ومرَّ الوقت وأصبح أخي ميسور الحال جدا، ولم يسدد لأبي أمواله. وفي نفس الوقت يقوم بصرف الأموال بإسراف مرة أخرى، وأبي لا يطالبه برد الأموال، وفي نفس الوقت لا يقوم أبي بمساعدتنا أنا وأخي الآخر؛ لأنه أصبح لا يملك شيئا، ويترك أخي يفعل ما يريد.
فما الحكم في هذه الأموال؟ وما حكم الشرع في نصيبه الشرعي في الميراث إن توفي أبي ولم يرد الأموال، فقد ظُلمنا، ولم نأخذ مثلما أخذ هو من أموال؟
مع العلم أن قيمة ما أخذه في حياة أبي، أكثر من حقه الشرعي؟
وهل على أبي ذنب في عدم المساواة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجوابنا يتلخص فيما يلي:

أولا: المال الذي دفعه أبوكم في سداد دين ابنه، يُسأل عنه الأب نفسُه: هل دفعه له كدين أم هبة؟

فإن كان دينا، ولم يسقطه الأب عنه: فإن الابن يطالب به، ولو بعد وفاة أبيه، فيرده إلى الورثة يقسمونه بينهم القسمة الشرعية.

ومجرد عدم المطالبة به، هذا في ذاته لا يعتبر إسقاطا، ولا يُمنع الابنُ حقه من الميراث، وإنما يطالب بسداد الدين، ويأخذ حقه من الميراث.

فإن امتنع من سداد الدين، فللورثة رفعه إلى المحكمة الشرعية؛ ليلزموه بما يلزمه شرعا.

ثانيا: إن دفع الأب المال لابنه هبة، فلا دين على الابن لأبيه، ولا للورثة من بعد وفاته.

ولا حرج على الأب في هذا التفضيل إذا كان الابن مدينا. وقد ذكر أهل العلم أن من مسوغات التفضيل كون أحد الأولاد محتاجا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه على التسوية بين الأولاد، وتفريقه بين ما كان من باب النفقة وما كان من النِّحَل والعطايا: أن ينفرد أَحَدُهُمَا بِحَاجَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَحَدِهِمَا دَيْنًا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، أَوْ يُعْطِيَ عَنْهُ الْمَهْرَ، أَوْ يُعْطِيَهُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَفِي وُجُوبِ إعْطَاءِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ نَظَرٌ.

وَتَجْهِيزُ الْبَنَاتِ بِالنِّحَلِ أَشْبَهُ، وَقَدْ يُلْحَقُ بِهَذَا. وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَهُوَ مِنْ بَابِ النِّحَلِ. اهــ.

وانظر المزيد في الفتوى: 232711 في بيان أن تخصيص الولد المحتاج بالعطاء جائز، ولا ينافي العدل، والفتوى: 475606 فيما لو أبرأ الوالد ابنه من الدين هل هذا ينافي العدل؟

ثالثا: نوصي الابن المذكور بأن يتقي الله -تعالى- وأن يرد المال إلى أبيه ما دام مقتدرا، وكان المال دينا.

وإن فَضَّلَه أبوه بعطية من غير مسوغ شرعي؛ فليردها أيضا إبراء لذمة أبيه، وحفظا لقلوب الأسرة من الحقد والضغينة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني