الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التائب من العقوق لا يعذب لا في الدنيا، ولا في الآخرة

السؤال

أنا ملتزم والحمد لله، ولكن لدي ماض سيء مع أبي، وأمي، حيث كنت عاقا تارة بشكل مبالغ فيه، وتارة بشكل خفيف. ولكن على الرغم من أن الدوافع كانت هي أنني مصاب باضطرابات نفسية تجعلني أفعل مثل هذه الأشياء، ولكن ليست خارجة عن إرادتي كليا، فبإمكاني أن أعصر نفسي، وأحترق من الداخل، ولا أفعل
ما يغضب الله، فسؤالي هو أنني أشعر أن الماضي يلاحقني، ولن يتركني لأن أبي، وأمي كانوا يدعون علي في الغضب، وغيره بسبب العداوة، والبغضاء،
فأحد هذه الأدعية كان أن أدخل النار، وآخر أن أكون مثل فرعون يوم القيامة، وغيره، ألا أوفق في الدنيا.
وحسب ما قرأت في هذا الموقع، أنه إن كان الولد عاقا، ودعا عليه والده سيستجاب له، وهذا يجعلني أشعر أني في زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام،
بل وأسوأ؛ لأن الموت لن يكون نهاية الخوف من شيء محدد؛ لأني أصبحت شبه متيقن أني من أهل النار، علما أن أهلي ليسوا غاضبين عندما يدعون علي،
ولا يندمون أبدا على حسب ما يظهر؛ لأنهم ليسوا طيبين، بل حتى الأقارب يكرهونهم، ويضربون إخوتي الصغار، -كما فعلوا معي-، ويكون الضرب خطيرا بإمكانه أن يتسبب بالإعاقة، بل يشمتون بمشاكلي، فعلى الرغم من أنني لا أجد دليلا قاطعا على أنهم ليسوا غاضبين، ودعاؤهم دعاء الغاضب الذي لا يستجاب، ولكن أجد أدلة كثيرة تؤكد كرههم، وعداوتهم لي على الأغلب، ولا أريد ذكرها، فمحبتهم مستبعدة تماما.
فهل دعاء الأم، والأب، والمظلوم ينطبق عليه حديث الرسول الذي يقول: إن استجابة الدعاء لا تشترط بنصه، بل بحكمة الله بأن يعجلها، أو يعوضه، أو يؤخرها بحيث لا يضرني، كما فهمت؟ وهل الدعاء المستجاب على الابن العاق له مقدار من العقوق من يتعداه يصبح معتديا في الدعاء، مثل دعوة المظلوم على من ظلمه بدخول النار؟ لأني وجدت مقالات تشير إلى أن هناك اعتداء في الدعاء على الظالم، ومقدارا يقيد هذا الدعاء، ولكن في العقوق لا أجد ما يحدد، أو يقيد ذلك بمقدار
من العقوق، فهناك عقوق بمجرد عبوس الوجه، وهناك عقوق بالضرب، وهناك عقوق بالهجر، وهناك عقوق بمعاملة أحد الإخوة معاملة سيئة أمامهما؛
لأني بصراحة أصبحت لا أجد ما يطمئنني في الفتاوى، ولكني لم أقنط من رحمة الله -تعالى- لأنه لا يقنط من رحمة الله إلا الكافرون.
من فضلكم أريد إجابة على حالتي، وليست الحالات العامة؛ لأني قرأت العديد من الفتاوى التي تذكر أن الدعاء على الأبناء حرام، ويجب نصح الأهل،
ولكن الدعاء أصبح عند الله لا يمكن إصلاحه، إذا استجابه الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فدعوة الوالدين على ولدهما العاق، أو الظالم لهما؛ مستجابة -بإذن الله- وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ ذلك مقيد بكون الولد مبالغا في العقوق، قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا، أو عاقا غاليا في العقوق، لا يرجى بره. انتهى.

لكن ذلك كله في حال أنّ الولد لم يتب من العقوق؛ أمّا إذا تاب توبة صحيحة؛ فالمرجو من الله تعالى ألا يضره دعاء والديه عليه حال العقوق؛ فالتوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فلا يعاقب التائب على ذنبه في الدنيا، ولا في الآخرة، قال ابن تيمية –رحمه الله-: ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا، ولا في الآخرة، لا شرعا، ولا قدراً. انتهى.

فاجعل همتك الآن في الاجتهاد في الاستقامة، والسعي في بر الوالدين، وإرضائهما، والتوبة إلى الله عز وجل، ولا تيأس، ولا تقنط من رحمة الله ومغفرته ما دمت تائبا إلى الله تعالى؛ فأبشر بقبول التوبة، وأحسن ظنك بربك، واشغل نفسك بما ينفعك في دينك، ودنياك، ويقربك إلى ربك. وراجع الفتوى: 300277

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني