الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يأثم من آذى أمه وهو صغير، وهل يستجاب لعن الأم لولدها؟

السؤال

أنا شاب، عمري 18 عاماً، حينما كنت طفلاً كنت شديد الانفعال مع أمي، لدرجة أني كنت أتشاجر معها باليد، وأرفع صوتي، استمرَّ هذا الحال -تقريبًا- لسن 15 عاماً، على الرغم أنها أكثر إنسانة أحبها، وهي تعلم، ونتصالح بعد الشجار دائمًا.
وفي يوم من الأيام دعت عليَّ أن يلعن الله كل شعرة في جسدي، لأني أغضبتها.
وسؤالي: كيف أتوب عمّا اقترفته في صغري بحقها؟ فأنا خائف من تلك الدعوة إلى الآن، لأن دعوة الأمِ -حسبِ علمي- لا تردُّ.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الصبي غير مؤاخذ بالتكاليف الشرعية، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. قال الزيلعي في نصب الراية: ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرط مسلم.

فعلى هذا، لا إثم عليك قبل البلوغ فيما صدر عنك من رفع الصوت على أمك، أو إيذائها بأي وسيلة كانت، لكن اعلم أن الأم هي أحق الناس بالبرّ، وحسن المعاملة، والإكرام، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم مَن؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك.

فخطابُ الأم يكون بالرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23 ـ 24}.

قال الشوكاني في فتح القدير: قولاً كريماً أي: لينًا لطيفًا، أحسن ما يمكن التعبير عنه من لطف القول وكرامته، مع التأدب والحياء والاحتشام. اهـ.

وعليك الحذر مستقبلًا مما يؤدي إلى إيذاء أمك بقول، أو فعل. وراجع شروط التوبة في الفتوى: 5450.

ولعنُ المسلم حرامٌ إجماعًا. جاء في حاشية البجيرمي على الخطيب: واعلم أن لعن المسلم المعيّن حرام بإجماع المسلمين. اهـ.

والدعاء المحرَّم لا يستجاب، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أنه قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أرَ يستجيب لى، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء. رواه الإمام مسلم، وغيره.

قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير: (ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم)، فإنه لا يجاب، لأنه عاص بنفس الدعاء. اهـ.

وفي مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: (ما لم يدعُ بإثم)، أي: بمعصية. اهـ.

فعلى هذا؛ نرجو أنه لا تستجاب دعوة أمك باللعن، لأنه دعاء محرم كما سبق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني