الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كفر الكافرين ليس مانعا من الاستفادة من علومهم الدنيوية

السؤال

السادة العلماء تحية طيبة وبعد:يصف الله في العديد من الآيات القرآنية الكافرين بأنهم الذين لا يعلمون أو أنهم لا يعقلون فما المراد بالعلم والعقل هنا؟ وما هي شروط العلم الصحيح في الإسلام؟ وهل ذلك يمنع من الاستفادة بعلم الكافرين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالآيات التي ورد فيها أن الكفار لا يعقلون أو لا يعلمون، تفيد أن عقولهم غير نافعة لهم فكأنها معدومة ما دامت لا تهديهم إلى الصواب الواضح البين، وأن علمهم -والمراد به علمهم عن الآخرة- لا قيمة له كذلك ما دام لا يدلهم على الله فهو جهل إذاً ومن هنا فهم ينكرون المعاد ويستبعدون قيام الأجساد مع أن الحجة قائمة عليهم عقلاً بأن النشأة الأولى أصعب عادة من إعادة الشيء إلى وضع كان عليه.

ومما يؤيد هذا المعنى جاءت العبارات في بعض الآيات مصاحبة لنفي الهداية، قال الله تعالى: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة:170]، وقال تعالى: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة:104]، وقال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة:171]، وقال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، وقال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، وقال تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10].

ومن شروط أن يكون العلم صحيحاً أن يكون نافعاً وبالتالي فيشترط أن لا يكون من العلوم المحرمة كعلم السحر والكهانة والتنجيم ونحوها، وأن لا يراد من تعلمه مقصد سيء.

فالعلوم الشرعية -وهي أفضل العلوم- إذا تعلمها المرء للرياء والسمعة كانت وبالاً عليه، أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة المتعلق بالثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم جهنم، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ..... ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل: ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار... الحديث.

ثم ما ذكر عن الكفار من كونهم لا يعقلون أو أنهم لا يعلمون لا يمنع من الاستفادة من علومهم الدنيوية، مما يفيد المسلمين في أحوال معاشهم وحياتهم واقتصادهم وأسلحتهم وغير ذلك، فتلك علوم مفيدة ومن تعلمها من المسلمين فهو مثاب إذا أخلص النية وأراد بها الإصلاح، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 47101.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني