الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعين على أكل الربا في اللعن كآكله

السؤال

لقد سبق وأن بعثت إليكم ببعض الاستفسارات عن حكم آكل الربا، والذي وصلكم في صيغة سؤال، وقد تكرمتم بالإجابة عليه بعنوان: دحض شبهة حول الاقتراض بالربا، تحت الرابط التالي:
http://www.islamweb.net/ar/fatwa/>وأرجو أن يتسع صدركم لمناقشة هذه التعليقات على نص الإجابة.
فأقول: أما قولكم: لاشك أن ورود اللعنة على أمر يجعله أمرا محرما ...الخ، فهذا أمر غير مسلم، لأن العلماء قد اختلفوا في تحديد معنى الكبيرة، وما تختارونه لا يزيد عن أن يكون دعوى خالية من الدليل.
وقولكم: ما استدل به السائل غير صحيح.. يبعث على العجب، لأنكم اثبتموه فيما بعد فيما نقلتموه عن مختلف المذاهب في إشارتكم لما جاء فى كتاب الإنصاف الذي يشتمل على رواية للإمام أحمد بالكراهة، وفيما نقلتموه عن متأخري المذهب المالكي بكراهة الوشم.
وقولكم: إن لفظ: لعن الله، تفيد التحريم عند العلماء غير مسلم، ولكم أن ترجعوا إلى كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة: لعن, وأما ما نسبتموه إلى العلماء من أنهم يرون أن اللعن الوارد فى الحديث لا يتناولها، فهذا من التناقض الذى ألزمتموهم به، وربما قولتموهم مالم يقولوا، وفيما نقلتموه عن صاحب الإنصاف لا يدل على أن النياحة من الكبائر لا صراحة ولا ضمنا، ولكم أن تتثبتوا من ذلك مما قاله موفق الدين بن قدامة فى المغني.
وأما قولكم: أنه لاشك في حرمة إيكال الربا, فلا نقاش فيه، ولكن مدار البحث عما اذا كان الإيكال كبيرة أم لا, وأما ما رواه مسلم فإنه شامل لمن كتب عقد الربا، وكذا لمن شهد عليه، فهل هم أيضا ارتكبوا كبيرة على الكتابة وعلى الشهادة؟ ولماذا لم يأت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعدد الكبائر: إيكال الربا في الوقت الذي عد فيه آكل الربا, ألا يصلح هذا فارقا بين الأكل ليقال عنه إنه كبيرة بنص الحديث وبين الإيكال الذي لم يرد إليه ذكر.
أرجو أن تتفضلوا بمناقشة هذه الأقوال خدمة منكم لهذا البحث.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا بد على الأخ السائل الكريم ألا يُصدر أحكاما شرعية من خلال حديث واحد أو آية واحدة أو قول عالم واحد، إذ لا بد من جمع الأدلة والأقوال بعضها بجوار بعض ليتبين لك المجمل من المبين، والعام من الخاص، والناسخ من المنسوخ، وهذا الأمر لا يؤتاه المرء في يوم وليلة بل لا بد من دراسة ودربة مستمرة لمعرفة الأحكام الشرعية على وجهها الصحيح. وقد رجعنا إلى كتاب ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، فما وجدنا فيه شيئا يؤيد ما تقول، سوى أنه قال في اللعن: وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء.انتهى. وبيان معنى اللعن على هذا الوجه يدل على أن فاعل ما يوجب اللعن قد فعل كبيرة من الكبائر، لأنه يوجب الطرد والإبعاد من الله.

أما ما نقله صاحب الإنصاف عن أحمد من القول بكراهة الندب والنوح، فهو منحصر في صورة ما إذا كان فيه تعداد محاسن الميت بصدق، وإخراج هذه الصورة من الحكم العام للنوح، والندب لا يؤثر في بقاء الحكم الأصلي على ما هو عليه (التحريم)، وكونه كبيرة استفيد من نص الحديث لا من كلام المرداوي في الإنصاف، لأن التحريم أخص من كون الفعل كبيرة أو صغيرة، فكل كبيرة حرام، وليس كل محرم كبيرة.

أما إيكال الربا فقد ورد لعن صاحبه في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه. قال شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره. وفي رواية مسلم عن جابر: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. فقد سوى النبي صلى الله عليه وسلم في اللعن بين جميع المذكورين.

وقد قدمنا أن اللعن يفيد كون الفعل الذي لعن فاعله من الكبائر. والله نسأل أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني