السؤال
أنا موظفة في قطاعٍ خاص، وكنتُ أضطرّ في بعض الشهور إلى سحب مواد أو نقود من مكان العمل، تتجاوز راتبي، وأُسجِّلها على نفسي لأقوم بسدادها لاحقًا. ولكن تلفت الورقة التي كنت قد دوّنت فيها تلك المبالغ، ولا أتذكر شيئًا مما أخذت، وبالتالي لا أعلم قيمة المبلغ بدقة.
وقد استقلتُ مؤخرًا بعد عشر سنواتٍ من العمل في المكان نفسه. رغم أن راتبي كان جيدًا، إلا أن المدير كان يرفض منحي إجازاتي السنوية مدفوعة الأجر، بتسويفٍ وتأجيل مستمرَّين. وكانت إجازة الولادة غير مدفوعة الأجر، وكذلك إجازة الإصابة بكوفيد، على خلاف ما ينص عليه قانون العمل، وكنت محرومة من أكثر من حق.
لديّ رصيد إجازات يُقدَّر بأكثر من 150 يومًا عن السنوات العشر. ويحق لي الحصول على مكافأة نهاية خدمة لا تقل عن 8000 دولار، ولكنني لم أطالب بهذه المكافأة حتى الآن. فهل يُمكن اعتبار ما سحبته من الصيدلية تعويضًا عما حُرمت منه؟ أم يجب عليّ سداد المبلغ تقديريًّا لمكان العمل؟ مع العلم أن صاحب العمل تأخّر شهرين متتاليين عن دفع راتبي الأخير، ورغم مطالبتي به، كان يتذرّع بأعذار كضيق الحال والانشغال بمشروع آخر، وكان يتأخر عن صرف الرواتب غالبًا لأكثر من أسبوع. ولا أستطيع إخباره بأنني سحبت مواد أو نقودًا، لأنني لا أريد أن يظنّ أنني خنت الأمانة، خاصة أنه إنسان شكاك. فماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أخذته السائلة من صاحب العمل بغير إذنه، حق ثابت في ذمتها، يجب عليها أداؤه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي.
قال الصنعاني في (سبل السلام): الحديث دليل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه؛ لقوله: "حتى تؤديه" ولا تتحقق التأدية إلا بذلك، وهو عام في الغصب والوديعة والعارية. اهـ.
وإذا جهلت السائلة قدر هذا الحق، ولم تستطع مصارحة صاحب العمل لتطلب عفوه، أو لتصالحه عنه، فعليها أن تحتاط فيه، أو تعمل بغلبة ظنها في تقدير ما تبرأ ذمتها بأدائه، وتراجع في ذلك الفتويين: 359215، 21017.
وأمّا ما ذكرته السائلة من حقوق لها عند صاحب العمل، فهو محل نزاع وخصومة، والفصل في ذلك مَرَدُّهُ إلى المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها من مجالس التحكيم، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأمّا المفتي؛ فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وعلى فرض أن لها حقا ثابتا بيقين، وصاحب العمل ينكره أو يجحده، ولا تستطيع أخذه إلا بهذه الطريقة، فهذا يدخل في مسألة الظفر، وهي محل خلاف بين أهل العلم.
والقول الوسط في هذه المسألة هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهو التفريق بين ما إذا كان سبب الحق ظاهرًا، فلا ينسب صاحبه للخيانة بأخذه، وما إذا كان خفيًّا، فينسب صاحبه للخيانة بأخذه، كما هو حال السائلة. وراجعي في ذلك الفتوى: 152593.
والله أعلم.