الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذهب المالكية في واجب الإمام والمأمومين إن شك في ترك سجدة

السؤال

أرجو تفصيل القول في هذه المسألة، مع ذكر أقوال علماء المالكية، إذ لم أتمكن من العثور إلا على قول خليل: "إذا قام الإمام إلى خامسة..."، غير أنني لم أُطبق هذه القاعدة؛ لأن الحالة التي أستفسر عنها مختلفة؛ فهي تتعلّق بسجدة زائدة، لا بركعة. كما أرجو منكم إبداء رأيكم الشخصي إن خالف مذهب المالكية.
السؤال: إمام صلّى بالناس صلاة الصبح أو العيد، وكان المأمومون منتبهين طوال الصلاة، ولم يلحظوا أي نقص. وعند التشهد الأخير، شكّ الإمام في سجدة، فأتى بسجدة (فصارت ثلاث سجدات بدلًا من اثنتين)، فحصل ارتباك في صفوف المأمومين، لكنهم سجدوا معه، معتقدين بزيادة السجدة، إلا أنهم شكّوا في نفس الوقت باحتمال وجود نقص، فسجدوا بنية السجود القبلي.
بعد التسليم، سألوا الإمام عمّا فعله، فأخبرهم أنه شكّ في سجدة فزادها، فذكّروه أن يأتي بالسجود البَعدي، ففعل. فهل صلاة المأمومين صحيحة في هذه الحالة؟
علماً أن أحد المأمومين كان على يقين تام بأنّ الإمام سجد السجود القبلي، وظنّ أن الإمام سلّم سهوًا بين السجدتين، فلم يسلّم مع الإمام كباقي المأمومين، بل أضاف سجدةً ثالثة بنية إتمام السجود القبلي، ثم سلّم. وقد فعل ذلك تلقائيًا لشدة يقينه، وكان ذلك قبل أن يأتي الإمام بالسجود البعدي. هذا المأموم لم يسجد مع الإمام سجود البعدي لاحقًا. فهل تصحّ صلاة هذا المأموم؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبالنسبة لهذا الإمام الذي شكّ في ترك سجدة إذا كان غير موسوس، فالواجب عليه عند المالكية أن يأتي بتلك السجدة؛ لأن الشكّ في النقصان كالتحقق.

فقد جاء في متن الأخضري في العبادات على مذهب الإمام مالك: ومن شكّ في كمال صلاته أتى بما شكّ فيه، والشكّ في النقصان كتحققه. فمن شكّ في ركعة، أو سجدة أتى بها، وسجد بعد السلام. اهـ.

وثبت في الحديثِ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال إبراهيم: لا أدري -زاد أو نقص- فلما سلّم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك، قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شكّ أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين. متفقٌ عليه.

وأما المأمومون الذين سجدوا مع الإمام ظنّا منهم أنه سجد للسهو، فهم مصيبون، وصلاتهم صحيحة؛ لأنهم امتثلوا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: إنما جُعل الإمام ليؤتم به. متفق عليه.

وقد نقل بعض العلماء الإجماع على وجوبِ متابعة الإمام إذا سجد للسهو، فقد جاء في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: (وإذا سها الإمام) عن شيء يوجب السهو عنه السجود (وسجد لسهوه فليتبعه) في السجود وجوبًا، (من لم يسه معه ممن خلفه)، وأولى من حضر معه السهو وإن أتى به؛ لأن القاعدة أن كل ما يحمله الإمام عن المأموم يكون سهو الإمام سهوًا للمأموم، وإن فعله، أو لم يحضر موجبه...
(تنبيه): مفهوم قوله: فليتبعه أن المأموم لو ترك تبعية الإمام في السجود بطلت صلاته إن كان قبليًا، وتركه عمدًا أو جهلًا، ولا تبطل إن تركه مع الإمام سهوًا، كما لا تبطل بترك سجوده البعدي
. اهـ.

وأما المأموم الذي ظنّ أن الإمام نسي إحدى سجدتي السهو، فسجد المأموم تلك السجدة المنسية، فصلاته صحيحة؛ لأن المأموم مطالب بسجود السهو إذا تركه إمامه.

فقد قال عليش في منح الجليل شرح مختصر خليل: ويسجد المسبوق المدرك ركعة القبلي قبل قيامه لقضاء ما عليه إن سجده إمامه وأدرك موجبه، بل (ولو ترك إمامه) السجود القبلي سهوًا، أو رأيًا، أو عمدًا. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني