الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الربح مقابل الوساطة.. الجائز والحرام

السؤال

رجل يعمل في التصنيع ويملك ورشة عمل فعلا.. وجاءني مستنجدا وطلب مني مبلغا من المال محددا القيمة وذكر أنه لا يلزم أن يقل بشيء عما طلب لأسباب عنده، وكان قصده أن يكون هذا المبلغ بنية الاستثمار حيث إنه سيقوم بتصنيع سلعته بالصورة التي سيقوم بها وكانت على حد قوله مثمرة، حيث إنها تعتبر فكرة جديدة ، وسعيت له في تدبير هذا المبلغ من طرفين، أحدهما زوجتي والآخر امرأة أرملة. وكان من هدفي هو مساعدة هذه الزوجة في تدبير رزق لأولادها بعد وفاة زوجها وبالنسبة لزوجتي اعتبرته مهرها والذي قد حددته لها واعتبرته دينا علي وعلى عكس ما هو متبع في مصر. وقد أكد لي وهذا ظاهر مدى مشروعية هذا العمل وأنه قد سأل أهل العلم في هذا فقالوا له أنه حلال. وكانت الفكرة الأساسية للتعامل هي:" أنه يعتبرني ( لأنني الظاهر له بدلا من المرأتين) ككموسيونجي وهذا لفظه ويعنى هذا ( وسيط في التجارة) ويضع لي مبلغاً ما على كل قطعة يقوم ببيعها كما هو الحال بالنسبة للكموسيونجي. وقد قام هذا الرجل بعدم إعطائي أي شيء من المال خلال فترة التجهيز لصناعة هذه السلعة والتي بلغت عدة أشهر.. على أساس أنه لا يوجد هناك أي سلعة تباع.. وكان العمل في بداية الأمر متعرقلا نظرا لظهور بعض المشاكل أثناء التصنيع ومعالجتها حيث كانت الفكرة جديدة.. فكان العائد في المقابل بسيطا ( أعني بعد فترة التجهيز والتي لم يتم الحصول على أي شيء خلالها).. ومع الاستمرار في العمل والجهد ومرور الوقت وصل الإنتاج بالصورة التي استمرت طوال العمل والذي بلغ سنوات حيث أصبح هذا العدد من الإنتاج هو فعلا إمكانيات هذه الورشة من حيث عدد العمال وعدد الآلات وكمية البضاعة المشتراة.. . إلخ وأثناء العمل تم تخفيض قيمة هذا المخصص لكل قطعة حسب ما يتراءى له حيث كان هناك عدم استقرار لسعر السلعة المشتراة "المواد الخام" وزيادة في سعرها مما كان يؤثر سلبا على أرباحه. وكان هذا يتم بناءا على أساس أن التعامل بيننا لا يلزم أن يخرج خارج الحلال وسواء كان ذلك بمبادرة منه، أو مني حينما أشعر بهذا الأمر من ارتفاع سعر السلعة الأساسية والتي تقوم في إنتاج منتجه" فأقوم بطلب هذا منه ( أعني خفض الربح). وأضيف هنا أنه احتاج مبلغا من المال لتحسين مباني الورشة والتي كانت غير مناسبة عند بداية العمل على أساس القرض الحسن فقد أعطيته إياه على أن يقوم بتسديده على فترات متتالية أعني مبلغا من المال كل شهر. وكان هذا طبعا دون مقابل وزيادة على أصل القرض. كما هو متبع شرعا. وحدثت طفرة في السنة الماضية فى سعر الخامة الأساسية " الخام" وتضاعف سعرها وكان ما بدر مني وكثيرا أقول له راجع حسابات الورشة وانظر إلى الأرباح فإن كانت هناك خسارة فأقل واجب هو أن لا آخذ شيئا.. وهو كان يقول لي اتركها لله. وقال لي في أحد المرات أنا أدفع ضرائب كذا وكذا وهذا مبلغ بسيط" ولم أنتبه لهذا الأمر أعني مشروعيته. حيث إن هذا لا يجب أن يكون سبباً شرعياً للربح". وفي مرة أخرى قال لي طبعا لو كان هناك خسارة سيكون هناك أمر آخر .وعاودت له القول ( مراجعة الربح وعدم دفع هذا الربح حالة الخسارة) وامتنعت عن الذهاب له لأخذ هذا الربح مدة شهرين فجاءني بنفسه وأعطاني بل أصر على إعطائي هذا الربح وقال سأقوم بالسؤال لأنني قد قلقت من هذا الأمر. ( هذا الرجل أظنه على خير ولا أشك فيه بل هو أيضا يسعى إلى الخير ويخاف الوقوع فى المحرم أعني الربا) ، فقلت له دع هذا المال ( الربح عن الشهرين الأخيرين والذي امتنعت عن الذهاب له فيهما) معك حتى يتم التحقق فقال لي اجعلنا على ما مضى من التعامل وما يجري هنا يعني الشهرين الأخيرين يجري على ما سبق فنحن كنا نسعى إلى الخير ولم يكن لنا نية لغيره. فأخذت المال وكما هو متبع مني أنصفه نصف لزوجتي والآخر للمرأة الأرملة. وبعد أسبوعين ذهبت إليه وسألته عما فعل فقال لي سألت رجلا آخر ( وذكر لي أن هذا الأخير يعني الذي سأله مؤخرا قال له أن الرجل الأول يضع أمواله في البنك ولم أكن أعرف ذلك من قبل وظاهر أمر هذا الأول هو الخير حيث أنه يصلي إماما بالناس ويطلق لحيته ويسأل وله كيان إسلامي ظاهر في أحد المساجد الأهلية) وأظنه على خير فقال لي هذا حرام لأن هذا الشخص لا يفعل شيئا ولا يقوم بالفعل بعمل الوسيط حيث أن الوسيط يشتري البضاعة بنفسه ويقوم بتسويقها بنفسه فإذا كان الأمر كذلك فهو حلال أما أنه لا يشتري البضاعة ولا يقوم بتسويقها فهذا لا ينطبق عليه معنى الوسيط. فلفت نظرى لشيء آخر وأظن أن هذا صحيح. فكان جوابي لهذا الرجل الآن اعتبر أن هذا المبلغ قرض حسن لحين معرفة ما يلزم فعله. فقال لي أنا أستطيع خلال شهرين على الأكثر تدبير هذا المبلغ ويمكنك أن تقوم بشراء السلعة الأساسية " المادة الخام" بنفسك من مصنعها ويمكن لي أن أعرفك عليه وتقوم بوضع مبلغ من المال على كل طن كما يفعل لي غيرك وتكون في هذه الحالة حلال ( حيث يأخذ السلعة ويدفع ثمنها المحدد بعد شهرين من تاريخ وصولها). ولكن هذا المبلغ الذى يلزم وضعه على هذه السلعة ما قيمته فالمتبع والمثال الذي قاله لي أن التجار يزيدون على قيمة السلعة مبلغا مقابل الأجل وهذا هو الربا فذكرت له ذلك وقلت له بل المبلغ هذا مقابل التجارة وليس الأجل لعلمي الجيد بأن هذا هو الربا. ( وحسب علمي فهو ربا النسيئة وهو ظاهر) فتركته على أن أبحث هذه المسألة السابقة ( مشروعية الربح الذي أخذته منه طوال أعوام مقابل الوساطة) وكيف يمكن التعامل معها والذي قال لي فيها عفا الله عما سلف والله غفور رحيم فلم يكن هناك أصلا نية للمحرم. وتعاملنا مع بعضنا كما ذكرت من قبل بصورة نتجنب فيها الوقوع في هذا المحرم قدر الإمكان. فكان هو طالب المال وهو نفسه الذي عرض الطريقة أي الوساطة، وهو الذي سأل قبل الطلب وتأكد من ذلك حسب قوله وكان ظاهره صحيح ، ولم يكن هناك شرط معين للربح كما هو متبع بل اقتصر على مبلغ بسيط على كل قطعة يتم بيعها بالفعل وعلى حسب التسويق الفعلي لا الإنتاج. ولم يكن هناك تدخل مني على قيمة الربح لكل قطعة. وكان الأمر بالنسبة لي ( أعني في فكري) هي بداية للمشاركة الكاملة معه بالجهد والمال والتي رفضها تماما مع محاولتى الوصول لها ( أعني المشاركة) أكثر من مرة، لعلمي أن هذه الصورة هيالأفضل في هذا المضمار. وأصبح الأمر هذا خطيرا ولا أدري ما أفعل ، أعني فيما سبق من الربح السابق تحت بند الوساطة ولمدة عدة سنوات. والسؤال: جزاكم الله خيرا لأننا في مجتمع قل فيه الحلال وضيق علينا ونحن نحاول أن نتقي الله قدر المستطاع ؟ ماالذي يجب فعله في هذه الحالة فهذه شبهة أظلت علينا ولم تظهر أنها شبهة إلا متأخرا وبعد شعوري بأنه قد يكون يخسر نتيجة زيادة الأسعار ، ولم يراودني من قبل أي شك في حلها ( ولا هو) بل كنا مطمئنين تماما لها ؟ فقد سار العمل بالتراضي حتى بعد ظهور هذه الشبهة بيننا.. وماذا يلزم فعله في الريع السابق ورأس المال الذي هو عنده وهل طريقة العمل التي حددها لى صحيحة ( أعني شراء السلع المادة الخام اللازمة له) وما قيمة المال الزائد الذي يلزم وضعه على السلعة وخاصة أن سعر السلعة فى السوق محدد على أساس زيادة سعرها عن المصنع نتيجة الأجل حسب قوله وهو المعروف حيث يقوم التجار بوضع سعرها على أساس الأجل والتجارة حلال ووضع نسبة ما على رأس المال هو أصل التجارة.. أفيدونا وجزاكم الله خيرا..المتعلقون بالسؤال امرأتان امرأة أستطيع التعامل معها والتفاهم على ما يلزم عمله وهي زوجي والأخرى أرملة سعت للعمل التجارىي الحلال " حسب ما كنا نظن" ولا أظن أنه من الجرأة والمروءة أن أتحدث معها في السابق غير أنني وجهت نظرها عن طريق قريب لها أننا قد نضطر إلى عدم الحصول على الريع نظرا لأن صاحب الورشة المستثمر فيها المال يحقق خسارة .. وأظنها تستوعب هذا الأمر فقد فهمته واستوعبت من قبل عندما كنا في بداية الاستثمار وعندما كنا يقلل قيمته.. وهي على خير إن شاء الله.. ويظل الطرف الوسيط وهو أنا نفسي والذى قمت وسعيت له للحصول على المال المطلوب حسب طلبه ومحاولة مساعدة هذه المرأة الأرملة واستثمار مهر زوجتي.. ماذا أفعل جزاكم الله خير.. فقد سعيت لتلاقي أطراف في الخير.والرجل الآخر المستثمر للمال ماذا يلزم العمل له وماذا يفعل. وهذا نتاج عدم تطبيق شريعة الله في أرضه نسأل الله تعالى أن يعمنا برحمته ويبعث فينا من يحكم بشرعه ويقينا هذه الشبهات بل ويضرب على أيدينا وأيدي الناس وصولا لخير الدنيا والآخرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اشتمل سؤالك على عدة أمور: الأمر الأول: ما يتعلق بالربح الذي تأخذه مقابل استثمار مال المرأتين عند هذا الشخص: والذي فهمناه من السؤال أن هذا الربح كان مبلغا مقطوعا ثابتا تقريبا تأخذه من كل قطعة بيعت. فإذا كان الأمر كذلك فهو حرام، ويكون حنيئذ من الربا، أما إذا كان هذا الربح نسبة معينة من الأرباح تزيد وتنقص بحسب السوق فلا حرج في ذلك، ويكون هذا الشخص حينئذ مضاربا بمال المرأتين هذا إذا توفرت بقية شروط صحة المضاربة وراجع الفتوى رقم: 10670 ، واعتبار هذا الربح مقابل الوساطة التي قمت بها غير صحيح لأنه مقابل المال المستثمر إما مضاربة وإما قرضا كما تقدم، نعم يجوز لك أن تأخذ مبلغا مقطوعا مقابل ما قمت به من الوساطة سواء كان من أحد طرفي العقد أو من كليهما بشرط أن يكون العقد نفسه عقدا صحيحا، ولا يجوز أن تكون أجرة الوساطة نسبة من الأرباح، لما في ذلك من الجهالة والغرر، ولكن الوساطة شيء ومضاربة هذا الشخص بمال المرأتين أو اقتراضه لمالهما شيء آخر. ويجب أن تعلم أن رأس المال الذي دفعته لهذا الشخص هو حق للمرأتين ولا إشكال في ذلك. أما أرباحه فإذا كانت مبلغا مقطوعا -كما فهمنا من السؤال- فهي حرام، فما كان منها قد استهلك فلا شيء عليكم فيه لأنه كان عن جهل، والله تعالى يقول: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 275}، وما كان منها باقيا فهو لصاحبك.

وأما ما يتعلق بما عرضه عليك هذا الشخص من شرائك المواد الخام بمال المرأتين وإحضارها له مقابل ربح فلا حرج في ذلك، وتكون أنت حينئذ مضاربا بمال المرأتين وتتفق معهما على نسبة الأرباح التي لك، وإن شئت التطوع لهما بهذا العمل أو أن يكون بأجرة معلومة فإن ذلك جائز ، كل ذلك راجع للاتفاق بينكم.

والأمر الثاني: ما يتعلق بزيادة الثمن في السلعة مقابل الأجل: وقد تقدم الكلام عن ذلك في هاتين الفتويين: 1084 ، 49700 .

والأمر الثالث: ما يتعلق بالربح المسموح به شرعا على السلع: وقد تقدم الكلام عن ذلك مفصلا في الفتاوى التالية: 46702 ، 33215 ، 32973.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني