الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شروط مشروعية الصلاة على العضو

السؤال

هل تصلى صلاة الجنازة على العضو المبتور مثل الرجل أو الذراع ؟؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان العضو مبتورا في حياة صاحبه فلا يغسل ولا يصلى عليه، وإن وجد عضو ممن تيقن موته فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في الصلاة عليه.

فذهب الحنفية إلى عدم مشروعية الصلاة عليه، وإنما يصلى عندهم على الجزء الأكبر من الميت حتى لو وجد نصفه تاما لا يصلى عليه، بل لا بد من كونه أكثر الميت. قال الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع وَلَا يُصَلَّى عَلَى بَعْضِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يُوجَدَ الْأَكْثَرُ مِنْهُ عِنْدَنَا ; لِأَنَّا لَوْ صَلَّيْنَا عَلَى هَذَا الْبَعْضِ يَلْزَمُنَا الصَّلَاةُ عَلَى الْبَاقِي إذَا وَجَدْنَاهُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ

وقال ابن الهمام في فتح القدير: وَإِذَا وُجِدَ أَطْرَافُ مَيِّتٍ أَوْ بَعْضُ بَدَنِهِ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ بَلْ يُدْفَنُ؛ إلَّا إنْ وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ مِنْ بَدَنِهِ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ , أَوْ وُجِدَ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فَحِينَئِذٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ . وَلَوْ كَانَ مَشْقُوقًا نِصْفَيْنِ طُولًا فَوُجِدَ أَحَدُ الشِّقَّيْنِ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

وذهب المالكية إلى أنه لا يصلى عليه إلا إذا وجد ثلثاه فأكثر أو نصفه فأكثر ودون الثلثين لكن مع الرأس فإنه يصلى عليه. قال الدردير رحمه الله في الشرح الكبير : وَلَا يُغَسَّلُ دُونَ الْجُلِّ يَعْنِي دُونَ ثُلُثَيْ الْجَسَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا الرَّأْس، فَإِذَا وُجِدَ نِصْفُ الْجَسَدِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَدُونَ الثُّلُثَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ لَمْ يُغَسَّلْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ يُكْرَهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْغُسْلِ وُجُودُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْضُهُ فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ وَلَا حُكْمَ لِلْيَسِيرِ وَهُوَ مَا دُونَهَا

وذهب الشافعية والحنابلة إلى مشروعية الصلاة على العضو كيد ورجل وهو الراجح لما سيأتي من أدلة في كلام الإمامين النووي وابن قدامة رحمهما الله تعالى، ويشرط عند الجميع أن يكون صاحب العضو المبتور قد مات أما إذا كان لا يزال حيا فلا يصلى عليه كما قدمنا، قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بَعْضُ مَنْ تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ , وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله : لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ , وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ , قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله : وَإِنَّمَا نُصَلِّي عَلَيْهِ إذَا تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ . فَأَمَّا إذَا قُطِعَ عُضْوٌ مِنْ حَيٍّ , كَيْدِ سَارِقٍ , وَجَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ , وَكَذَا لَوْ شَكَكْنَا فِي الْعُضْوِ هَلْ هُوَ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ ؟ لَمْ نُصَلِّ عَلَيْهِ , هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ , وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُ.

وقال ابن قدامة في المغني: فإن لم يوجد إلا بعض الميت , فالمذهب أنه يغسل , ويصلى عليه . وهو قول الشافعي . ونقل ابن منصور عن أحمد , أنه لا يصلى على الجوارح . قال الخلال : ولعله قول قديم لأبي عبد الله , والذي استقر عليه قول أبي عبد الله أنه يصلى على الأعضاء . وقال أبو حنيفة , ومالك : إن وجد الأكثر صلي عليه , وإلا فلا ; لأنه بعض لا يزيد على النصف , فلم يصل عليه , كالذي بان في حياة صاحبه , كالشعر والظفر . ولنا , إجماع الصحابة رضي الله عنهم، قال أحمد : صلى أبو أيوب على رِجْل , وصلى عمر على عظام بالشام , وصلى أبو عبيدة على رؤوس بالشام . رواهما عبد الله بن أحمد , بإسناده . وقال الشافعي : ألقى طائر يدا بمكة من وقعة الجمل , فعرفت بالخاتم , وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد , فصلى عليها أهل مكة . وكان ذلك بمحضر من الصحابة , ولم نعرف من الصحابة مخالفا في ذلك , ولأنه بعض من جملة تجب الصلاة عليها , فيصلى عليه كالأكثر , وفارق ما بان في الحياة ; لأنه من جملة لا يصلى عليها , والشعر والظفر لا حياة فيه . انتهى

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني