السؤال
لنا مقبرة دُفنت فيها عمّتي منذ سنين طويلة، وكانت في مدينة مجاورة لمدينتنا التي انتقلنا إليها. وبما أن خالتي تجاوزت عمر الـ 75، فنحن نحاول أن نبحث عن هذه المقبرة، لكن معالمها اختفت.
فسألنا القائمين على المقابر، فأخبرونا أنه بما أنكم لم تجدّدوا المقبرة منذ زمن طويل، فالغالب أنها أصبحت منخفضة عن باقي المقابر، وأي مقبرة تجدونها بهذه المواصفات فجددوها، وتكون لكم.
فهل علينا وِزرٌ إذا أخذنا مقبرة بغلبة الظن؟ أو إذا لم يكن لها مالك، فهل يجوز أن نتخذها بديلًا عن مقبرتنا التي أُخذت منا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت المقبرة التي تريدون أخذها خالية، أو فني من دفن فيها، فلا حرج في أن تدفنوا فيها، وتكون وقفًا على من دفنتموه إلى أن يبلى.
وأما إذا كانت المقبرة فيها شيء من عظم من دفن سابقًا، فلا يجوز -لغير ضرورة- نبشها، ولا دفن أحد فيها، إلا إن كان قبر عمتك في أرض تملكونها، وغُصِبَ القبر أو الأرض، فلكم استرداد العين المغصوبة.
قال ابن الحاج في المدخل: العلماء -رحمة الله عليهم- قد اتفقوا على أن الموضع الذي دفن فيه المسلم وقف عليه ما دام منه شيء ما موجودًا فيه حتى يفنى، فإذا فني حينئذ يدفن غيره فيه، فإن بقي شيء ما من عظامه، فالحرمة قائمة كجميعه.
ولا يجوز أن يحفر عليه، ولا يدفن معه غيره، ولا يكشف عنه اتفاقًا، إلا أن يكون موضع قبره قد غصب. اهـ. وانظر الفتوى: 115870.
وأما المقابر العامة الموقوفة على عموم المسلمين، فهي وإن كانت لمن دفن فيها أولاً، إلا إنه إذا تعدى أحد فدفن فيها ميتًا له، قبل أن تبلى الجثة السابقة، فليس لهذا حكم الغصب، ولا يجوز نبش القبر على الميت الثاني قبل أن يبلى هو الآخر.
جاء في «مسائل أبي الوليد ابن رشد»: أنه سئل عن رجل دفن أربعة من الولد في مقبرة من مقابر المسلمين، فلما كان بعد عشرة أعوام من دفنه إياهم، غاب الرجل من البلد، فجاء الحفار فحفر على قبور أولئك الأطفال قبرًا لامرأة ودفنها فيه. ثم إن والد الأطفال جاء من سفره، بعد دفن المرأة بثلاثين يومًا، ولم يجد لقبور بنيه أثرًا غير قبر المرأة، فأراد نبشها، وتحويلها إلى موضع آخر، ليقيم قبور بنيه على ما كان عليه، هل له ذلك، أم لا؟
فجاوب -وفقه الله- على ذلك، بأن قال: لا يجوز أن ينبشها، وينقلها عن موضعها، ولا يحل ذلك له؛ لأن حرمتها ميتة كحرمتها حية، فلا يحل له أن يكشفها، ويطلع عليها، وينظر إليها، ولو كان ذا محرم منها لما ساغ له ذلك فيها، بعد هذه المدة؛ إذ لا شك في تغيرها فيها. اهـ.
والله أعلم.