الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عكرمة ثقة عند الإمام مالك

السؤال

قد قرأت في إحدى فتاويكم أن الإمام مالك رحمه الله كان يروي عن ثور بن زيد ‏عن ابن عباس مسقطا ما بينهما وهو عكرمة لأنه ليس بحجة عند الإمام مالك، وسؤالي فضيلة الشيخ هو لماذا فعل الإمام مالك ذلك فإذا كان عكرمة ليس بحجة فلماذا يروي عنه أصلا وإذا روى عنه فلماذا يسقطه؟ وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنا لم نعثر على نص للإمام مالك يفيد أن عكرمة ليس بحجة عنده، وقد وثق عكرمة واحتج به كثير من أهل العلم منهم أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وأبو حاتم والعجلي، ثم إن مالكاً أسقط كثيرا من رجال سنده، فأكثر فيه من البلاغات والمراسيل، ولا يدل ذلك بالضرورة على طعن فيمن سقط من السند، ومع هذا فإنه قد روى عن عكرمة في الموطأ، ففي الموطأ 1/381: قال الراوي: وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي. وحدثني عن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن ابن عباس قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.

وقد ناقش ابن عبد البر في التمهيد مسألة سقوط عكرمة من السند بين ثور وبين ابن عباس في بعض أحاديث الموطأ، فأورد له سندا متصلا عن مالك يذكر فيه عكرمة، وطعن في زعم أن مالكا أسقطه لطعن فيه: فقال عند حديث: لا تصوموا حتى تروا الهلال. حديث ثان لثور بن زيد مقطوع مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين. هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس ليس فيه ذكر عكرمة، والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس، وإنما رواه ثور عن عكرمة، وقد روى عن روح بن عبادة هذا الحديث عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان ثم ساقه إلى آخره سواء، وليس في الموطأ في هذا الإسناد عكرمة، وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كره أن يكون في كتابه لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه، ولا أدري صحة هذا لأن مالكاً قد ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك رواية عطاء في تلك المسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة. روى مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن رجل وقع على امرأته وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة، وروى مالك أيضاً عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: أظنه عن ابن عباس أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي، وبه قال مالك. انتهى.

وقد أثبت ابن عبد البر في التمهيد أيضاً في الضحية رواية مالك عن ثور عن عكرمة قال: وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان، فمنها: ما رواه سعيد بن داود بن أبي الزبير عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله: ما من نفقة بعد صلة الرحم أعظم عند الله من إهراق الدم.

ثم إن الجواب الذي ذكرت كنا قد بينا فيه عين ما رجحناه هنا فراجعه مرة أخرى بتأن تام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني