الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حول أثر الشفاء وتوليتها السوق

السؤال

تولية الشفاء السوق في عهد عمر مشكل جدا خصوصا أن كثيرا من العلمانيين يتخذونه دليلا على جواز تولى المرأة الولاية على المسلمين وخصوصا القضاء (ولا مجال لإنكار ذلك إن ثبت الخبر .فهي تقضى بين الخصوم في السوق) ولم يفارقني يقيني بأن ذلك الخبر مكذوب عن عمر .فما مثل عمر من يجعل امرأة تختلط بالرجال وتباشر التجار والوافدين إلى السوق وهو المعروف بحزمه على النساء وأمره إليهن بأن يلتزمن حافات الطرق . وما مثل عمر من يعدم كبار رجال الصحابة والتابعين في عصره لكي يولى أحدهم قضاء السوق. ولما بحثت في مصادر هذا القول وجدته كله كلاما سردا بدون أي إسناد في ترجمة الشفاء سواء عند ابن عبد البر أو ابن سعد أو الحافظ المزي أو الحافظ ابن حجر أو أبي نعيم الأصبهاني . ووجدت القاضي أبا بكر العربي رحمه الله يقول في أحكام القرآن عند معرض تعليقه على آية(إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء) النمل. فقد ناقش تولى المرأة القضاء، ورد على ما نسب إلى ابن جرير بإطلاق القضاء لها بأنه كذب على الطبري ولم يصح. وقال روي أن عمر ولى امرأة السوق ثم قال (ولم يصح فلا تلتفتوا إليه.إنما هو من دسائس المبتدعة في الحديث ) ونقله عنه القرطبي في تفسيره في نفس الآية . أما أهل التراجم من ذكرتهم آنفا جلي جدا لمن طالع ما كتبوه عن الشفاء أنها أقاويل تقال بدون أي سند . فمثلا ابن سعد يقول عن الشفاء في الجزء المتمم للطبقات (ويقال إن عمر ولاها أمر السوق ولكن ولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه ) وقال في موضع آخر (وربما ولاها شيئا من أمر السوق ) وخالف ابن عبد البر فقد قال إن من تولى السوق هو ابنها سليمان بن أبي حثمة وإن عمر جمع الناس عليه في قيام رمضان (وجدت رواية رمضان هذه وهى صحيحة) ونقله عنه ابن حجر في ترجمة سليمان .وبما قاله ابن عبد البر قال الزرقاني في شرحه .والحق أن العملية مشكلة وتفتح بابا لكل علماني ليدس سمه فأردت أن تعلقوا على ذلك يا شيخ بارك الله فيكم ولكم في أهليكم. التراجم تقول (يقال ,ربما ,ولكن ولدها ينكرون ويغضبون, سليمان هو الذي تولى السوق) والحق أنى بحثت في كل السنن والمساند والمستخرجات والمستدركات وكثير وكثير فلم أجد إلا رواية واحدة وهى في الآحاد والمثاني عند أبى عاصم فأرجو أن تعلقوا عليها .الرواية في ترجمة الشفاء . حدثنا دحيم عن رجل ,سماه عن ابن لهيعة عن يزيد ابن أبى حبيب أن عمر ولى الشفاء أمر السوق ) أنتهى

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيرا على هذا البحث المفيد والعرض الشيق، فنسأل الله أن يجزيك خيرا وأن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح.

أما عن السؤال فالكلام عنه من جهتين:

الجهة الأولى: في ثبوت أثر الشفاء، فإن أثر الشفاء هذا قد ذكر في ترجمتها في عدة مراجع كما أشرنا إليها في الفتوى رقم: 51901 ولكننا لم نقف له على إسناد، وقد أوقفتنا جزاك الله خيرا على إسناد له عند أبي عاصم وفيه ما ذكرته من علل ثلاث، وهذه العلل تعد من العلل القادحة في الصحة عند أهل الحديث بل تكفي علة واحدة منها لضعفه.

والجهة الثانية: أنه على فرض ثبوت ذلك من عمر فليس فيه دليل على ما يريد العلمانيون من تولية المرأة الولاية العامة لأن أمر السوق ليس كذلك كما لا يخفى، فهو كتولية المرأة شؤون بنيها وبيتها وفي ذلك نوع ولاية، وليس كل ولاية تمنع منها المرأة بل الولاية العامة.

أما عن تولية المرأة القضاء فهي مسألة خلافية بين الفقهاء على تفاصيل أشرنا إليها في الفتوى المحال عليها.

والعلمانيون غير محتاجين للتدليل من الشرع على ما يقولون لأنهم لا يقيمون للشرع وزنا فأين هم من الأدلة الصريحة البينة في أن فصل الدين عن الحياة خروج عن الدين والملة.

والكلام عن هذا الموضوع لا تتسع له فتوى بل يحتاج إلى بحث خاص، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني