الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفويض عند السلف والخلف

السؤال

درست أن منهج السلف إثبات صفات الله كما وردت مع تفويض الكيفية إلى الله، أي أننا لسنا مفوضة في باب معاني أسماء الله ولكن مفوضة في باب الكيفيات، ولكن مع مراجعة بعض أقوال السلف لاحظت أنها تنص على أن نمرها كما جاءت، وقرأت أيضًا لابن الجوزي أنه قال: مذهب السلف ليس الإثبات ولكن ترك البحث بالجملة.. أرجو تفسير قول السلف: (نمرها كما جاءت) وهل تفيد التفويض، وثانيًا أرجو التعليق على كلمة ابن الجوزي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن التفويض في مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على طريقتهم هو تفويض العلم بكيفية ذات الله تعالى، وكيفية صفاته سبحانه.

أما معناه عند الخلف –أهل الكلام قديماً وحديثاً- فإنه تفويض معاني النصوص الشرعية الثابتة التي تعارض قواعدهم وعقائدهم التي لم يجدوا لها تأويلاً ولم يستطيعوا ردها مع اعتقادهم أن ظاهر النص غير مراد.

وعلى هذا يتبين الفرق الكبير في معنى التفويض عند السلف والخلف، فالسلف يعلمون معاني النصوص ويؤمنون بها إذا دل عليها ظاهر النص، ويفوضون علم الكيفية إلى الله تعالى. قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب، وبهذا يتبين خطأ ابن الجوزي في كتاب (دفع شبة التشبيه) في قوله: مذهب السلف تفويض علم هذه المعاني وترك البحث.

إذ لم يعرف القول بالتفويض بهذا المعنى في القرون الثلاثة الأولى، بل ظهر في القرن الرابع، كما قال ابن تيمية وقال: وأول من قال به أبو منصور الماتريدي –المتوفي 333هـ- وأبو الحسن الأشعري –المتوفي 324 في محاولة للتوسط بين منهج السلف في إثبات النصوص وبين المنهج العقلي المستمد من الفلسفة اليونانية... وإنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله تعالى فيهم: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ. انتهى بتصرف.

أما معنى قول السلف نمرها كما جاءت: نمرها بلا كيف ولا نتعرض لكيفيتها لأنه لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل، روى الخلال في السنة عن الوليد بن مسلم قال: سألت سفيان والأوزعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا: نمرها كما جاءت. قال الخلال: هذا في أحاديث الصفات وهو مذهب السلف إثبات حقيقتها ونفي علم الكيفية. انتهى.

قال الإمام الطحاوي: نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف. انتهى.

وقولهم كما جاءت يدل على إثباتهم للمعاني وإيمانهم بها وتفويضهم للكيف إذ أنها ألفاظ عربية جاءت لمعان فنمرها كما جاءت بإثبات تلك المعاني وتفويض كيفيتها إلى العالم بذلك وهو الله سبحانه وتعالى، راجع الفتوى رقم:50216.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني