الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة....)

السؤال

كيف لي ان اعرف ما المقصود بنص الاية الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك. هل المقصود بأن الرجل الزاني اذا تزوج امرأة اخرى فهي بطريقة او باخرى كانت قد زنت ام ماذا. والسؤال الثاني هل الزاني التائب يجب أن يعزر بالإبلاغ عن نفسه. أفتوني رحمكم الله

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد اختلف العلماء في تفسير هذه الآية على عدة أوجه أحدها: أن هذه الآية نزلت في أناس استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كن معروفات بالزنا، ففي سنن أبي داود أن مرثد ابن أبى مرثد الغنوي كان يحمل الأسارئ بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها عناق، وكانت صديقته. قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً. فسكت عني فنزلت (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال: "لا تنكحها".
فعلى هذا فالآية لفظها لفظ الخبر، ومعناها النهي عن نكاح العفيف بالزانية أو العكس. والنكاح في الآية على هذا التفسير معناه الزواج.
الوجه الثاني من التفسير: أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، أي لا تطاوعه إلا زانية عاصية أو من هي أخس منها من المشركات، والزانية كذلك لا يزني بها إلا زان أي عاص بزناه أو مشرك. ويكون الغرض من الآية تشنيع الزنا وتشنيع أمره، وأنه محرم على المؤمنين. وعلى هذا فالنكاح في الآية معناه الجماع.
الوجه الثالث: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) [النور: 32]. فدخلت الزانية والزاني في أيامى المسلمين فجاز نكاحها، والأيامى هم الذين لا أزواج لهم من النساء أو الرجال.
وقد اختلف العلماء في تزوج العفيف بالزانية وتزويج العفيفة بالزاني، فمنعه الإمام أحمد لهذه الآية ولحديث مرثد المتقدم الذي نهاه فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح الزانية، ورجح هذا القول الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى وقال إن الآية صريحة في ذلك.
وذهب الجمهور ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى جوازه مع الكراهة، وأجابوا عن حديث مرثد بأن الزانية التي في الحديث كانت مشركة. وأجابوا عن الآية بجوابين أحدهما: أن الآية منسوخة بقوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم)، كما تقدم.
والجواب الثاني: هو أن المراد بالنكاح في الآية هو الزنا بعينه، والغرض التنفير من الزنا وتقبيحه، ورجح الإمام الطبري هذا القول فقال: لو كان المراد بالآية النكاح لكان المعنى أن الزاني لا يجوز له أن يتزوج إلاّ الزانية أو المشركة، ومعلوم أنّ الزاني المسلم لا تحل له المشركة، لقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ) وكذلك الزانية لا يحل لها الزواج بالمشرك فتبين أن معنى الآية أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة.
والراجح والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور من جواز تزوج الزانية مع الكراهة بعد استبراء رحمها، وأن تكون ممن يجوز نكاحها وهي المسلمة أو الكتابية.
ثم إن الزاني إذا تاب من الزنا فعليه أن يحسن التوبة ولا يخبر أحداً بزناه، وليستتر بستر الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله" يعني الحد. وفي رواية "فليستتر بستر الله وليتب إلى الله" رواه الحاكم. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني