الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اشتراط ثبوت اللقاء والتصريح بالسماع

السؤال

كثير بن مرة الحضرمي ثقة كبير الشأن وهم البعض فجعله من الصحابة وقال البعض مخضرم ونسبوه للطبقة الثانية بلا جدال وهو موثق أدرك سبعين من البدريين وروى عنهم . والسؤال: هل تصح روايته عن عائشة؟ فهو روى عن معاذ بن جبل وأبى الدرداء وغيرهم ممن ماتوا سراعا . وهل لكي تصح رواية الراوى عمن قبله يجب أن نثبت أنه لقيه وصرح بالسماع ولا يكتفي بتوثيقه وقدم عمره ولقياه للعديد من البدريين وممن ماتوا سريعا؟ مع الإشارة لرأي الإمام مسلم ورده علي البخاري رحمهما الله ورأي ابن حزم مع أيهما؟ ولو سنح لكم الوقت زدتم آراء آخرين بارك الله لكم ورزقكم من حيث لا تحتسبون آمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فكثير بن مرة ثقة روى عن كبار الصحابة ممن تأخرت وفاتهم كمعاذ، وعاصر عائشة رضي الله عنها ولم يصفه أحد بالتدليس، فروايته عنها صحيحة، فقد ذكر روايته عن عائشة عبد بن حميد في مسنده، وكذلك هو مذكور في كتب المراسيل، كجماع التحصيل للعلائي، وكتاب رواة المراسيل للحافظ العراقي، ولم ينصا على أن روايته عن عائشة مرسلة، والمشهور عند جمهور المحدثين أن من هذه حاله حملت روايته على السماع، لأنه يشترط عندهم المعاصرة، وإمكانية السماع وعدم التدليس.

أما رواية الراوي بلفظ يحتمل السماع مثل (عن) عمن عاصره مع إمكانية سماعه منه فصحيحة ما دام الراوي لم يعرف بالتدليس.

قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: ذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً وجائز وممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً، فأما والأمر مبهم، على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا.

ويقول في موطن آخر: وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس، فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعم من حكينا قوله فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نُسِّم من الأئمة. اهـ

وننبه السائل الكريم إلى أن كلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحه لم يكن رداً على الإمام البخاري، وإنما قال مسلم إن أحد الجهلة الخاملي الذكر قد عرض لشروط قبول الحديث المعنعن مضيفاً شرطاً زائداً عما عليه أهل الحديث قاطبة، ثم بين أن قوله مبتدع مخالف للإجماع، وكذلك لا يوجد للإمام البخاري نص صريح في اشتراط ما يدل على اللقاء والسماع كما ذكر ابن رشيد البستي في كتابه السنن الأبين، بل حكى ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي أن مذهب البخاري أنه تكفي المعاصرة مع احتمال اللقاء، وأول من حكى هذا المذهب عن الإمام البخاري القاضي عياض ثم أخذه عنه كل من جاء بعده. ولمزيد فائدة لهذا البحث راجع كتاب (إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين). وكتاب (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنن بين المتعاصرين) وهو رسالة ماجستير.

أما أبو محمد بن حزم رحمه الله فلم نقف له على نص في هذا الموضوع، ولكن المتتبع لتصحيحاته في المحلى يعلم أنه على مذهب الجمهور في عدم اشتراط اللقاء والسماع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني