الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحلال والحرام من الرزق

السؤال

هل يمكن القول بأن ما يأخذه المغني وما يسرقه الحرامي وما يحصل عليه المرتشي والممثل من الأموال، وهكذا إلى ما نعتبره من الأموال الحرام كل هذا يدخل تحت مسمى الرزق وإن الله رزقهم بهذا، وهل يعتبر هذا رزقا فعلاً؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالرزق عند أهل السنة والجماعة يعم ما ينتفع به حلالا كان أو حراما، وقد بحث هذه المسألة الإمام القرطبي في تفسيره، فأجاد وأفاد، فقال رحمه الله: والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حراماً، خلافاً للمعتزلة في قولهم: إن الحرام ليس برزق لأنه لا يصح تملكه، وإن الله لا يرزق الحرام وإنما يرزق الحلال، والرزق لا يكون إلا بمعنى الملك.

قالوا: فلو نشأ صبي مع اللصوص ولم يأكل شيئاً إلا ما أطعمه اللصوص إلى أن بلغ وقوي صار لصاً، ثم لم يزل يتلصص ويأكل ما تلصصه إلى أن مات، فإن الله لم يرزقه شيئاً إذ لم يملكه، وإنه يموت ولم يأكل من رزق الله شيئاً.

وهذا فاسد، والدليل عليه أن الرزق لو كان بمعنى التمليك لوجب ألا يكون الطفل مرزوقاً، ولا البهائم التي ترتع في الصحراء، ولا السخال من البهائم، لأن لبن أمهاتها ملك لصاحبها دون السخال.

ولما اجتمعت الأمة على أن الطفل والسخال والبهائم مرزوقون، وأن الله تعالى يرزقهم من كونهم غير مالكين علم أن الرزق هو الغذاء، ولأن الأمة مجمعة على أن العبيد والإماء مرزوقون، وأن الله تعالى يرزقهم مع كونهم غير مالكين، فعلم أن الرزق ما قلناه لا ما قالوه. والذي يدل على أنه لا رازق سواه قوله الحق: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. وقال: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ. وقال: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وهذا قاطع... إلا أن الشيء إذا كان مأذوناً له في تناوله فهو حلال حكماً، وما كان منه غير مأذون له في تناوله فهو حرام حكماً، وجميع ذلك رزق.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذا الموضوع كلام نفيس يحسن إيراده هنا، فقال رحمه الله في مجموع الفتاوى: والرزق يراد به شيئان:

أحدهما: ما ينتفع به العبد، والثاني: ما يملكه العبد فهذا الثاني هو المذكور في قوله (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، وقوله (أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم)، وهذا هو الحلال الذي ملكه الله إياه، وأما الأول فهو المذكور في قوله (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، وقوله (إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها) ونحو ذلك، والعبد قد يأكل الحلال والحرام فهو رزق بهذا الاعتبار لا بالاعتبار الثاني، وما اكتسبه ولم ينتفع به هو رزق بالاعتبار الثاني دون الأول.

وقال العلامة محمد السفاريني في منظومته: الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية:

والرزق ما ينفع من حلال * أو ضده فحل عن المحال

لأنه رازق كل الخلق * وليس مخلوق بغير رزق

ومن يمت بقتله من البشر * أو غيره فبالقضاء والقدر

ولم يفت من رزقه ولا الأجل * شيء فدع أهل الضلال والخطل

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني