الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تجوز شهادة النساء في الحدود.

السؤال

ورد في المحلى لابن حزم قوله بأنه تجوز شهادة النساء في الزنا! ولو انفردن أيضا! ولقد علمت من قبل نقل الشافعي في الأم الإجماع على خلافه وبالإجماع قال ابن العربي والقرطبي في تفسيره وغيرهم ولكن ابن حزم نقد الإجماع برواية صحيحة عن عطاء عند ابن أبي شيبة والصنعاني فما رأي فضيلتكم في ما قاله ابن حزم وهل من دليل قوي على قول الجمهور، ووقع من في قول عطاء أن ذلك رأي منه محض فقال ابن جريج عنه (رأيا منه) ولما سأله أيجوز ستة نسوة ورجل في ذلك قال لا، ولكن رجلان وأربع نساء كأنه يريد أن يقارن ذلك بشهادة المداينة في القرآن! ولقد قال خلاف عطاء كل من في طبقته كقتادة والحسن والبصري والنخعي والأوزاعي ومكحول وغيرهم فهل يقدح رأيه المحض في إجماعهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن اشتراط كون شهود الزنى رجالا أربعة هو الذي تشهد له ظواهر نصوص الوحي، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.... {النور:4}، وقال تعالى: لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {النور:13}، وقال تعالى: وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ {النساء:15}، ومن المعلوم في اللغة العربية أن تأنيث لفظ العدد يفيد أن المعدود مذكر، قال ابن مالك في الخلاصة:

ثلاثة بالتاء قل لعشرة * في عد ما آحاده مذكره

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى (فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ ): ولا بد أن يكون الشهود ذكوراً؛ لقوله منكم، ولا خلاف فيه بين الأمة.

وبناء عليه، فعلى افتراض أنه لو لم يثبت الإجماع الذي نقله الشافعي وابن العربي والقرطبي وابن المنذر -وهو احتمال بعيد جداً، إن لم يكن معدوما أصلاً- فإن العدول عما يفهم من ظاهر النص القرآني لا يمكن إلا بدليل من الوحي، ثم إن ما نقل عن عطاء سبقه النقل عن الصحابة في عدم شهادة النساء في الزنى، فقد روى ابن أبي شيبة عن الزهري أنه قال: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده ألا تجوز شهادة النساء في الحدود.

ونقل ابن أبي شيبة عن كثير من علماء التابعين القول بذلك منهم: الضحاك والحسن وحماد والشعبي إضافة إلى من ذكر السائل، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة.

هذا، وننبه إلى أن أهم ما يتعين الاعتناء به الآن هو الجد والسعي الحثيث في حمل الأمة على التمسك بالشرع، والالتزام بالعفة وعدم قربان الفواحش. فعلى طالب العلم أن يحفظ كما هائلاً من نصوص الترغيب والترهيب وهي متوفرة وصحيحة لا خلاف فيها، وأن يعلمها الناس ويرغبهم ويرهبهم بها، فهي أولى من الاشتغال بالترف العلمي في إثارة الأقوال الشاذة.

ثم إنا لا نرى في هذا العصر الذي عطلت فيه الحدود أنه يسوغ للرجال العدول فأحرى النساء أن يحققوا بنظرهم في موضوع الزنى ليتأكدوا من حصوله؛ إذ لا فائدة ترجى من استيقانهم بالموضوع، ولا جهة يؤمل منها أن تقيم الحدود وتطهر العاصي بالحد الشرعي، فالواجب أن يستر المسلم ما اطلع عليه، ويبذل قصارى جهده في حث المجتمعات على التمسك بالشرع والعفة والالتزام بالأخلاق الحميدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني