الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المالكية وإقرار التملك بالحيازة

السؤال

يقر المذهب المالكي تملك -حيازة- العقار بوضع اليد استنادا لحديث -من حاز شيئا لعشر سنين فهو له- ويبنون على هذا الحديث شروطا وتفريعات، الألباني ضعف هذا الحديث، فهل يجوز لي اختيار مذهب المالكية لما فيه من تفصيل وفقه أم يلغى كل ذلك النتاج الضخم لمجرد أن دليلهم ضعيف، مع العلم بأن الإباضية والحنابلة نقلوا عن المالكية ذات الحكم والدليل، أفتونا مشكورين مع الدليل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالجواب على سؤالك هو أن العلماء قد أجمعوا على أنه لا يجوز تتبع الرخص في المذاهب طلباً للتخفيف واتباعاً للهوى لأن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ {القصص:50}، ويقول في معرض ذم الكفار: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى {النجم:23}، إلى غير ذلك من الآيات، وقال العلماء: لو أخذت برخص كل فقيه لتجمع فيك الشر كله. فلا يجوز التنقل بين المذاهب وأخذ قول البعض وترك البعض إلا لطلب الدليل واتباع الراجح.

أما ما استند إليه المالكية ومن وافقهم من العلماء بإقرار التملك بالحيازة ووضع اليد لمدة معلومة فقد استندوا في ذلك إلى جملة من الأحاديث منها ما أخرجه أبو داود والترمذي بسند صحيح من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له.

ولما رواه البخاري من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها. وقضى بذلك عمر في خلافته، ولما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحاط حائطاً على أرض فهي له. وصححه ابن الجارود.

والحديث الذي ذكرته وهو -كما ذكر الشيخ الألباني رحمه الله- ضعيف سندا، والمالكية ومن وافقهم إنما احتجوا به في المدة، واستأنسوا به في ذلك كما قال ابن عاصم، وقد اتفق الفقهاء على أن الإحياء سبب للملكية لا خلاف في ذلك، وإنما اختلفوا في بعض التفريعات كإذن الإمام والقرب والبعد من العمران ونحوه، فإن كان ما حيز ملكا للغير فإن حقه يسقط، واختلفوا في المدة التي يسقط بها فبعضهم يقول ثلاث سنين؛ لما رواه سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر: من أحيا أرضا ميتة فهي له. كما عند البخاري، وقد رفعه طاووس، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه بسند جيد.

وحدها بعضم بأكثر من ذلك، وقد حدها المالكية بعشر سنين ونحوها كتسع وثمان كما قال ابن العربي، قالوا: إذا حاز الأجنبي أصلاً كدار أو أرض أو نحو ذلك كان شريكا أم لا وادعى الملكية وتصرف فيه عشر سنين تصرف الملاك بالهدم أو البناء أو غير منازع له في ذلك وكان حوزه له بحق شرعي كإرث أو شراء لا بغصب ونحوه فيستحقه.

وأما مجرد الحوز بدون استناد إلى سبب معتبر -كما تقدم- فلا ينفع مدعيه إذا ثبت أصل الملك لمنازعه فيه، فإذا مضت المدة وقام غيره يدعيه لنفسه أو لموكله وأدلى بحجة، فإن كان له عذر في السكوت في تلك المدة حكم له ،وإلا فيقال له قد استحق الأصل حائزه وانقطعت حجتك حيث كنت حاضراً عالما غير ممنوع من الإنكار كما في المدونة، ونفي المانع في غير الأصول يختلف باختلاف المحوز والمسألة قضائية في جانب كبير منها موكلة إلى نظر القاضي، وجلُّ ما فيها هو اجتهاد محض فالأمر فيها متسع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني