الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

بيّنتُ لأحد الإخوة حكم الإسبال ، والوعيد الذي ورد فيه ، وأنه يقتضي أن الإسبال كبيرة من الكبائر ؛ واقتنع ــ بفضل الله تعالى ــ وانتهى . ثم ناقش أحد الإخوة فأورد له شبهات حيرته ، وطلب مني ردوداً وأجوبة تطمئنه ؛ فأخبرته أنني لن أرد أو أجيب من تلقاء نفسي وإنما سأرجع لأهل الذكر من المشايخ والعلماء .. متمثلاً ــ بفضل الله تعالى ورحمته ــ قول الإمام أحمد : إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام . والشبهات هي :
(1) ما رُوي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يسبل ثوبه : أما لك فيّ أسوة .
فيقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزجر الرجل ولم ينهه .. مما يدل ــ هكذا يقولون ويزعمون ــ على أن النهي والوعيد الوارد في الأحاديث الأخرى يحمل على استحباب ترك الإسبال أو بمعنى آخر كراهة الإسبال .
وكأنهم يريدون أن يزعموا أنه منسوخ ؛ هداهم الله .
(2) يقولون : إن الجمهور على أن الإسبال مكروه . ولا أدري من أين لهم هذا ؟
(3) في قصة استشهاد عمر رضي الله تعالى عنه : (عند البخاري رحمه الله تعالى)
… وجاء رجل شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك ، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة . قال: وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي ، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض ، قال: ردوا علي الغلام ، قال: ابن أخي ارفع ثوبك ، فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك .
فيقولون : إن هذا يدل على أن سيدنا عمر ــ رضي الله تعالى عنه ــ لم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ولو كان صغيراً أو حتى مكروهاً ــ كما هو دأب الصحابة.. رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ــ أو إنه رأى شيئاً في قلب أو حال الشاب يندفع برفع الثوب .
سبحان واهب العقول .
(4) يقولون : كيف يستوي الإسبال مع شرب الخمر مثلاً .. في أنهما من الكبائر ؟
(5) يقولون : إن الشهيد ــ لا شك ــ أنه من أهل الجنة ، ومع ذلك فإنه قد يكون مسبلاً . فكيف يتحقق فيه الوعيد الوارد في الأحاديث " فهو في النار " ــ " لا يكلمهم الله ، ولا ينظر إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم " مع أنه من أهل الجنة ؟
يبدو أنهم تناسوا أنه يغفر للشهيد في أول دفعة من دمه .
(6) ورد عن معمر أنه قال : عاتبت أيوب على طول قميصه ، فقال : إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله ، وهي اليوم في تشميره .
فيقولون : لو كان الإسبال حراماً أو كبيرة ما أطال أيوب قميصه .
(7) ما ثبت عن الصديق ــ رضي الله تعالى عنه ــ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إنك لست ممن يفعله خيلاء "
فيقولون : هذا يدل على أن الوعيد الوارد في الأحاديث يتعلق بمن يفعله خيلاء .
سبحان الله ! رغم أنهم قالوا ــ في الشبهة الأولى ــ باستحباب ترك الإسبال أو كراهة فعله ، فعلام يكون الوعيد هنا ؟ أمر عجاب.
أرجو الله أن نتلقى ردوداً وأجوبة تشفي الصدور لينتهي أخونا وغيره مطمئنين ، وينظرون عمن يأخذون دينهم . وجزاكم الله خيراً .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اتفق أهل العلم على تحريم الإسبال إذا كان للخيلاء وعدوا ذلك من كبائر الذنوب، واختلفوا في الإسبال من غير خيلاء، وقد سبق أن أصدرنا فتاوى بينا فيها أن القول الراجح عندنا هو التحريم مطلقا، سواء كان بخيلاء أو بغير خيلاء، وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 21266، 3900، 29002 فلا نعلم أحدا من أهل العلم عد الإسبال من غير خيلاء من الكبائر.

أما الأدلة المذكورة في السؤال فقد احتج ببعضها جمهور أهل العلم القائلون بكراهة الإسبال وليست هي شبهات كما ظننت، وقد أجبنا على أكثرها في الفتاوى المحال عليها سابقا، وأما أثر عمر بن الخطاب وإنكاره على ذلك الشاب فإن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ليس مكلفا شرعا بأكثر مما فعل عمر رضي الله عنه

أما قولهم: كيف يستوي الإسبال مع شرب الخمر؟ فالجواب أنهما لا يستويان، لأن بعض المعاصي أكبر من بعض، وكذلك الكبائر تتفاوت، فالقتل والزنا وشرب الخمر والعقوق أكبر من غيرها، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله: قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور. متفق عليه، وراجع الفتوى رقم: 55926.
وأيضا دل الدليل على أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين. رواه مسلم. فيدخل في ذلك إن شاء الله إذا كان مسبلا أو شارب خمر.

وننبه الأخ السائل إلى أنه يجب علينا جميعا السعي في جمع كلمة المسلمين، ونشر روح الحب والرحمة بينهم، والتعاون على البر والتقوى، والتعامل مع المخالف في إطار الأخوة والنصح ما دامت المسألة مختلفا فيها فليسعنا ما وسع السلف الصالح. قال الإمام أحمد: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على قوله. وليحذروا من الخلاف لغير سبب معتبر شرعا، فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: الخلاف شر. رواه أبو داود، وراجع الفتوى رقم: 43417.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني