الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حج الكبيرة مع امرأة ترعى شؤونها

السؤال

لدي والدتي لم تحج في حياتها، وهي ضريرة، وعمرها يتعدى السبعين سنة، ولا يوجد لديها أي أولاد أو بنات غيري، فأردت أن أحج بها في السنوات السابقة، ولكن جميع حملات الحج تقول لي: لا بد من امرأة معها لتباشرها. فهل يجوز أن أدفع القيمة المالية، أي: قيمة الحج إلى اللجان الخيرية وهي تقوم بطريقتها، أم ماذا أفعل؟ علمًا أن والدي قد توفي قبل 41 سنة رحمه الله.
وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيرًا، وشكر لك عنايتك بأمك وبرك بها، امتثالًا لقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً{الاسراء:23ـ24}. وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك، قال: ثم من ؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من ؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك. واللفظ للبخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة. رواه مسلم.

والمرأة عند ما تكون في مثل سن أمك وضعفها، لا بد لها من امرأة تباشرها وتكون معها في الأماكن التي ليس من شأن الرجل التواجد بها، فإن كان لدى أمك من المال ما تستطيع أن تستأجر به امرأة ترافقها مباشرة، أو عن طريق اللجان الخيرية -فيجب عليها ذلك، لأنها تكون في حكم المستطيع القادر على الحج- وقد قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].

وقد بسطنا القول في ذلك في الفتوى: 46530، وبينا كذلك أن الأجر يزداد على قدر النصب والبذل، فهي مأجورة على ذلك كما في الفتوى: 54738 وإذا لم تجد من تستأجره من النساء لمرافقتها أو من يتبرع بذلك من قريباتها أو غيرهن، فإنه يسقط عنها وجوب مباشرة الحج بنفسها، ويجب عليها الإنابة، ومن قال بذلك الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وغيرهم. فتحج أنت عنها إن كنت قد أديت فريضة الحج عن نفسك لقوله صلى الله عليه وسلم للذي سمعه يقول: لبيك عن شبرمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. قال: حججت عن نفسك؟ قال لا: قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة. أخرجه أبو داود واللفظ له وابن ماجه والدار قطني والبيهقي، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.

وكذلك إذا كان والدك قد مات مستطيعًا ولم يؤد فريضة الحج، فعليك أن تحج عنه، فهو دين لله في عنقه، فلتؤده عنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم للتي سألته فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه قالت: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء. متفق عليه واللفظ لمسلم.

نسأله سبحانه أن يوفقنا لحسن صحبة والدينا والبر بهما حق البر إنه سميع مجيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني