الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
أنا طالب كلية اقتصاد / شعبة اقتصاد /
كيف أستطيع أن أطبق الحكمة القائلة : (( العلم إن قارنته الخشية معك و إلا فهو عليك )) .
علما أني طالب اقتصاد و علم الاقتصاد حاليا في الجامعات يدرس القوانين الوضعية و المشكلات الاقتصادية .
و جزاكم الله الخير .
إياس.......

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالعلم إذا أريد به وجه الله كان خيرا لصاحبه ولو لم يكن في الأصل من العلوم التي تراد بها الآخرة، وإذا أريد منه غرض سيئ كان شرا على صاحبه ولو كان في الأصل مما يبتغى به وجه الله. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مشهور في أول من تسعر بهم جهنم ومنهم: ... ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن. فأتي به. فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم. وقرأت القرآن ليقال هو قارئ. فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

والحكمة القائلة: إن العلم إن قارنته الخشية كان معك، وإلا فهو عليك، صالحة للتطبيق في دراسة الاقتصاد وفي غيره من العلوم. فقد حث الإسلام المسلمين على أن يلتمسوا أسباب القوة، وأن يحرصوا على ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، ولا شك أن الاقتصاد هو أحد هذه الأسباب. قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك:15} ، وقال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60].

وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. الحديث رواه أحمد ومسلم. ودراسة الاقتصاد إذا كانت لشيء من هذه الأغراض كان هذا العلم مع صاحبه.

والقوانين الوضعية إذا درسها المرء بغرض صحيح فلا حرج فيها أيضا، كأن يكون القصد ‏منها التعرف عليها ليعرف الدارس لها فضيلة أحكام الشريعة عليها، أو ليستفيد منها فيما ‏لا يخالف الشرع المطهر، أو ليفيد غيره في ذلك، بشرط أن لا ينشغل المرء بتعلمها عن تعلم ‏فروض العين، أو عن أداء ما هو واجب عليه، مع كراهته للحكم بالقوانين المخالفة للشرع ، وبغضه لذلك. والدليل هو قول حذيفة رضي الله عنه، وهو في مسند الإمام أحمد: كان أصحاب رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ... إلى آخر الحديث.‏

فسؤال هذا الصحابي عن الشر، وإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجابته له، تدل ‏بالأولى على جواز تعلم ودراسة القوانين الوضعية ما دام القصد صحيحا. أما إذا كان الغرض من دراسة الاقتصاد هو العمل في مجال يخالف الشرع، ودراسة هذه القوانين هي من أجل العمل في مجال يتصل بالحكم بمقتضاها، أو ‏تدريسها لمن سيعملون في ذلك المجال، فإن ذلك حينئذ يكون محرما، وبالتالي يكون على صاحبه. ‏

والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني