الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

قبل أن أسأل سؤالي أنا آسف على طوال السؤال، ولكن أنا مضطر لذلك، فأنا سألت سؤالي هذا لكم مرتين وفي المرتين تحيلون سؤالي إلى سؤال شبيه، والإجابة تكون غير واضحة، فأرجو منكم أن تجيبوا عن سؤالي، ولا تقدموا لي سؤالاً شبيهاً.
والسؤال هو: يوجد زميل لي ليس عنده محل، ولكنه يمتلك مبلغاً من المال حوالي 50 ألف جنيه مصري، ولكنه لا يضعه في البنك، لأنه حرام، ولكنه يقول أنا أتاجر، والطريقة: أن يذهب الناس له ويحددون له السلعة التي يحتاجونها، ويكونون قد سألوا عنها في المحلات وعرفوا سعرها مثلاً بألف جنيه، ولكنهم لا يستطيعون أن يدفعوا المبلغ فورياً، والتقسيط من المحل يأخذ منهم على الألف مثلاً مائتي جنيه على نظام التقسيط، ولكن الزميل هذا يقوم بشراء السلعة لهم من المحل بماله فورياً، ويقوم بعد ذلك بالتقسيط على الناس، ولكن يأخذ فائدة منهم أقل من المحل مثلاً مائة وخمسون جنيهاً على الألف بدلاً من المائتين من المحل.
وأنتم قلتم سابقاً لي إجابتين، الأولى: أنه لا يكون هناك شرط الإلزام من الشخص الذي يشتري السلعة بماله من المحل لكي يأخذها منه الشخص الذي يريد السلعة، وأنا أقول لكم: كيف لا يكون هناك إلزام والشخص الذي يريد السلعة قد ذهب للمحل وعرف ثمنها فورياً، وثمنها بالتقسيط، وبعد ذلك يذهب للشخص ويقول له أنا أريد السعلة المعينة، وهذا هو سعرها في المحل، وبعد يوم أو يومين بالأكثر يذهب زميلي هذا صاحب المال ويشتري السلعة فورياً من المحل، وبعد ذلك يقوم بالتقسيط على صاحبها.
وقلتم لي إجابة أخرى وهي: أن يكون الشراء حقيقياً، أي يدخل في حوزة زميلي هذا، فكيف يكون شراء حقيقياً وهو ذاهب إلى المحل يكون في نيته السلعة المعينة وسعرها معروف وصاحبها معروف ومعروف نظام التقسيط المتفق عليه مع الشخص الذي يريد السلعة، وزميلي هذا لم يذهب إلي أي محل إلا إذا طلب منه سلعة معينة من شخص معين، فمن نظري أن هذا لا يكون شراء حقيقياً، فبدلاً من أن يأخذ الشخص منه ألف جنيه مثلاً لكي يشتري ثلاجة مثلاً، والثلاجة معروف أنها بألف جنيه، لا يعطيه الألف جنيه، ولكن زميلي يذهب لشراء الثلاجة المراد شراؤها، ويأخذ من صاحبها ألفاً مضافاً إليه الفائدة على نظام التقسيط.
وأخيراً: أطلب منكم الإجابة عن هذه المسألة بعينها؟ جزاكم الله خيراً، وأنا والله العظيم أسأل هذا لأن عندي مبلغاً من المال لا أريد وضعه في البنك، لأنه حرام، ولا أجيد التجارة، فلو كان زميلي هذا يفعل هذا الشيء ويكون حلالاً أفعل مثله، لأن هذا الشيء لا يكون فيه أي احتمال للخسارة، حيث يأخذ على الألف مثلاً مائة وخمسون، ويكتب عليهم ورقاً بهذا، أي لا يكون هناك أي نسبة للخسارة مثل أي تاجر عنده محل أو بضاعة، وأكرر أسفي لطول السؤال، ولكنكم أنتم مسؤولون أمام الله تعالى عن الإجابة، لأني سوف أقوم بفعل هذا الشيء، وأنتم تتحملون الإثم إن كان حراماً، والله تعالى خير الشاهدين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالصورة التي ذكرتها هنا تُعرف عند العلماء ببيع المرابحة للآمر بالشراء، وهي جائزة في الجملة عند جمهور كبير من أهل العلم المعاصرين، وقد سبق بيانها في الفتوى: 1608، والفتوى: 45858.

وقد ذكر العلماء في شروط بيع المرابحة للآمر بالشراء عدم إلزام الآمر بالشراء بوعده بالشراء إذا كان له في نكوله عن الوعد عذر، أما إذا لم يكن له عذر وتضرر المأمور بالشراء ألزم الواعد بالشراء بأحد أمرين:

إما تنفيذ الوعد، وإما التعويض عن الضرر الواقع فعلاً، ولا يخفى أنه ليس في ذلك إلزام للواعد بالشراء على كل حال، بل إنه يخير بينه وبين التعويض عن الضرر المترتب على وعده، فإذا لم يكن هناك ضرر فلا تعويض.

فإذا كان الواقع في مسألتك يخرج عن ذلك، بحيث يلزم الواعد بالشراء بالشراء على كل حال، فلا يجوز لأن إلزامه بالشراء بمجرد الوعد فيه تجاوز للآثار الشرعية المترتبة على الوعد، حيث إن الاعتداد بالوعد على هذا النحو من الإلزام يصير في الحقيقة عقد بيع، سواء عبر عنه بأنه وعد أو اتفاق أو غير ذلك، فإن الأمور بمقاصدها كما هو مقرر عند أهل العلم، ومعلوم أن السلعة وقت الوعد ليست في ملك المأمور بالشراء، فيلزم من ذلك أن يبيع المأمور بالشراء ما لم يملك، قال الإمام الشافعي في الأم: إذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل فالشراء جائز، والذي قال أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعاً، وإن شاء تركه. وهكذا إن قال اشتر لي متاعاً ووصفه له أو متاعاً أي متاع شئت وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء يجوز البيع الأول ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار... وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول، فهو مفسوخ من قبل شيئين:

أحدهما: أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع.

والثاني: أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا.

فقوله: وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما: أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع يدل لما ذكرنا.

أما عن الشراء الذي يحصل بين المأمور بالشراء وصاحب السلعة، فهو شراء صحيح طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية ضمان التلف الواقع على السلعة قبل تسليمها للآمر، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه، وراجع الفتوى: 4984.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني