الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأجير المحل بنسية مئوية من الربح

السؤال

هل يجوز لصاحب محل تجاري أن يؤجره بنسبة مئوية من الربح لمن يتاجر فيه أو بجزء من الفائدة، كما نعبر، وهل يصح ذلك في الآلة والدابة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف أهل العلم في جواز أن تكون الأجرة نسبة من الأرباح، فذهب جمهور أهل العلم إلى عدم جواز ذلك، لأن من شروط صحة الإجارة أن تكون الأجرة معلومة، وكون الأجرة نسبة من الأرباح يجعل تلك الأجرة مجهولة، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره. وفي رواية للنسائي: إذا استأجرت أجيراً فأعلمه أجره.

وذهب الحنابلة إلى جواز أن تكون الأجرة نسبة من الأرباح، قياساً على المساقاة والمزارعة، فإنه يجوز دفع الأرض لمن يزرعها ويقوم عليها بجزء مشاع معلوم مما يخرج منها، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه قال: عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خبير بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.

قال في كشاف القناع: ولو دفع عبده، أو دفع دابته إلى من يعمل بها بجزء من الأجرة جاز، أو دفع ثوباً إلى من يخيطه، أو دفع غزلاً إلى من ينسجه بجزء من ربحه جاز.

وقال في المغني: وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا ليبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز نص عليه في رواية حرب، وإن دفع غزلاً إلى رجل ينسجه ثوباً بثلث ثمنه أو ربعه جاز نص عليه، أو دفع ثوباً إلى من يخيطه أو غزلا إلى من ينسجه بجزء منه مشاع معلوم جاز.

وقال في مطالب أولي النهى: (يصح تشبيها) بشركة (المضاربة: دفع عبد أو) دفع (دابة)، أو آنية، كقربة وقدر، وآلة حرث، أو نورج أو منجل (لمن يعمل به) أي بالمدفوع (بجزء من أجرته). نقل أحمد بن سعيد عن أحمد في من دفع عبده إلى رجل ليكسب عليه، ويكون له ثلث ذلك أو ربعه، فجائز.

ونقل أبو داود عن أحمد في من يعطي فرسه على النصف من الغنيمة: أرجو ألا يكون به بأس، قال أبو عبد الله: إذا كان على النصف والربع فهو جائز (كخياطة ثوب، ونسج غزل، وحصاد زرع، ونفض زيتون، وطحن حب، ورضاع قن أو بهيمة، واستيفاء مال وبناء دار، ونجر خشب بجزء شاع منه. لأنها عين تنمى بالعمل عليها، فصح العقد ببعض نمائها، كالشجر في المساقاة، والأرض في المزارعة.

وقد رجح بعض المحققين ما ذهب إليه الحنابلة: قال الإمام ابن القيم: والذين منعوا الجواز في ذلك جعلوه إجارة والأجر فيها مجهول والصحيح: أن هذا ليس من باب الإجارات بل من باب المشاركات وقد نص أحمد على ذلك، فاحتج على جواز دفع الثوب بالثلث والربع بحديث خيبر وقد دلت السنة على جواز ذلك، كما في المسند والسنن عن رويفع بن ثابت قال: إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح وأصل هذا كله: أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع أرض خيبر إلى اليهود يعملونها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وأجمع المسلمون على جواز المضاربة وأنها دفع ماله لمن يعمل عليه بجزء من ربحه فكل عين تنمى فائدتها من العمل عليها جاز لصاحبها دفعها لمن يعمل عليها بجزء من ربحها.

فعلى هذا يجوز لصاحب المحل التجاري أن يؤجره بنسبة مئوية من الربح لمن يتاجر فيه كما يجوز ذلك أيضاً في الآلة والدابة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني