الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تلزم الدية والكفارة بمجرد الشك

السؤال

بالإشارة إلى فتاويكم المتكررة، بشأن الدية عن قتلى حوادث السيارات، ومنها الفتوى رقم 43501 والمتضمنة أنه إذا كانت الجهات المختصة قد أثبتت عدم خطأ سائق الشاحنة، فلا دية عليه ولا كفارة، لقاعدة: "ما لا يمكن التحرز منه لا ضمان فيه"
أوضح لكم بأنه في أحايين كثيرة يتم تقديم سائق المركبة الذي اصطدم بشخص فتوفي أو أصيب للمحاكمة أمام المحاكم الجنائية أو محاكم المرور بتهمة (التسبب في وفاة أو إصابة شخص بسبب رعونته أو إهماله في القيادة)، فتقوم المحكمة بتبرئته من الدعوى الجنائية إذا لم يقم الدليل الكافي على هذه الرعونة أو الإهمال، إذ لا يتأتى في القانون إدانته جنائيا إلا إذا توافر الدليل على ثبوت هذه الرعونة في حقه إما بشهادة أو اعتراف أو قرائن كآثار الفرامل والسرعة .....، وفي كثير من الأحيان ينكر قائد المركبة أي تقصير في جنبه، وأن المجني عليه هو الذي قطع الطريق عليه فجأة.... ولا يقوم أي دليل ضده، فيتم تبرئته من الدعوى الجنائية لعدم ثبوت عنصر الرعونة أو الإهمال بالرغم من ثبوت نسبة الفعل (الاصطدام إليه)، وللتوضيح أيضا فإن عبارة (مع العلم أن هيئة المرور أثبتت بأن سائق الشاحنة غير مخطئ) الواردة بالسؤال ليست دقيقة، وكان الأحرى بالسائل أن يقول بأنه لم يثبت خطؤه أمام تلك الهيئة لا أنها أثبتت أنه غير مخطئ.
وهنا سؤال ألا تتوجب الدية والكفارة شرعا على مثل هذا الشخص وإن كان قد تمت تبرئته في الدعوى الجنائية، استنادا إلى أن المباشر ضامن وإن لم يثبت تعديه أو تفريطه؟
بانتظار جوابكم وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما أفتينا به في الفتوى التي أشرت إلى رقمها، والمتضمنة أنه إذا كانت الجهات المختصة قد أثبتت عدم خطإ سائق الشاحنة، فلا دية عليه ولا كفارة، لقاعدة: "ما لا يمكن التحرز منه لا ضمان فيه" هو الصواب إن شاء الله.

والمحكمة إذا لم يقم لديها الدليل الكافي على رعونة السائق أو إهماله فليس أمامها إلا تبرئته، ولو كان في حقيقة الأمر قد ارتكب الخطأ. إذ لا يتأتى في القانون إدانته جنائيا إلا إذا توافر الدليل على ثبوت هذه الرعونة في حقه إما بشهادة أو اعتراف أو قرائن كآثار الفرامل والسرعة ونحوها ...

وذلك لأن الأصل أن يحمل المسلمون على البراءة من المخالفات حتى يتبين خلاف هذا الأصل.

وإذا برئ الشخص لعدم توفر ما يثبت تخطئته، فإنه لا يبرأ عند الله مما هو مطالب به في نفس الأمر، وبالتالي فإن الدية والكفارة تلزمانه فيما بينه وبين الله إذا كان فعلا قد ارتكب الخطأ.

ولكن وظيفة المحاكم الشرعية هي رفع الخلاف، ومن الأصول التي تعمل بها إذا لم تتوفر الأدلة براءة الذمة، فلا تقرر دية أو كفارة قتل بمجرد الشك.

ثم ما ذكرته من أن المباشر ضامن وإن لم يثبت تعديه صحيح، فقد صرح علماء الأصول والفقه أن حدوث الضرر نتيجة المباشرة يوجب التعويض.

فمن ذلك قولهم مثلا: "يضمن المباشر وإن لم يكن متعديا"، وقولهم " المباشر ضامن وإن لم يتعمد".

ولكن كل ذلك في الجناية التي ارتكبها المرء خطأ، وموضوع السؤال ليس من هذا القبيل، وإنما هو من قبيل ما لا يمكن التحرز منه، وقد أقر أهل العلم أنه لا ضمان فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني