الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحروف المقطعة أوائل السور إعجاز أيما إعجاز

السؤال

ما الرد على من أثار الشكوك حول قدسية القرآن بالرمي نحو قضية الحروف الزائدة في القرآن الكريم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كنت تقصد بالحروف الزائدة المعروفة عند أهل اللغة فإنها تأتي لتأكيد المعنى غالبا، وبعض العلماء يسميها صلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن الذي يقول هو صلة لا يجعل له معنى كما يقوله من يقول ذلك في الحروف الزائدة التي تجيء للتوكيد، كقوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ {آل عمران: 159} و: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ {المؤمنون: 40} ونحو ذلك.

وقال الألوسي في روح المعاني: إفادة التأكيد هو الأمر الشائع في الحروف الزائدة. وهو من باب زيادة المعنى بزيادة المبنى، لأن التأكيد زيادة في المعنى.

وإن كنت تقصد الحروف المقطعة في فواتح بعض السور القرآنية فإن هذه الحروف من مظاهر إعجاز القرآن الكريم، وفيها إشارة إلى أن القرآن الكريم مركب من جنس هذه الأحرف التي يكوِّن منها العرب كلامهم، ومع ذلك فإنهم يعجزون عن أن يصيغوا منها مثل هذا القرآن.

قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية: وإلى هذا وقعت الإشارة بالحروف المقطعة في أوائل السور، أي أنه في أسلوب كلامهم وبلغتهم التي يخاطبون بها، ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف بذكر القرآن كما في قوله تعالى: الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ.{البقرة: 1-2} الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ. {آل عمران: 1-2} المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ. {الأعراف: 1-2} الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ {يونس: 1} وكذلك الباقي، فنبههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه؛ بل خاطبكم بلسانكم.

وقال الشنقيطي في أضواء البيان في بداية تفسيره لسورة هود: أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو أن الحروف المقطعة ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وحكى هذا القول الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء وقطرب، ونصره الزمخشري في الكشاف. قال ابن كثير: وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية، ووجه شهادة استقراء القرآن لهذا القول أن السورة التي افتتحت بالحروف المقطعة يذكر فيها دائما عقب الحروف المقطعة الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وأنه الحق الذي لا شك فيه، وذكر ذلك بعدها دائما دليل استقرائي على أن الحروف المقطعة قصد بها إظهار إعجاز القرآن وأنه حق. انتهى كلام الشنقيطي.

وعليه، فليس في هذا المعنى ما يطعن به في القرآن، بل إن العكس هو الصحيح، فإنها تدل على إعجاز القرآن الكريم وعدم قدرة الخلق على الإتيان بمثله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني