الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما المقصود من قول الفقهاء هذا على خلاف القياس؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقول الفقهاء هذا على خلاف القياس، يعني أن حكم المسألة قد ورد على خلاف القواعد الفقهية، وكون الأحكام ترد على خلال القياس أو على وفاقه هو محل اختلاف بين بعض الحنابلة وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من جهة، وبين جمهور أهل العلم من جهة أخرى.

ومثاله: اختلاف الفقهاء في صفة مشروعية الإجارة هل هي مشروعة على وفق القياس أو على خلافه؟

فقال جمهور الفقهاء: إنها شرعت على خلاف القياس، وقال بعض فقهاء الحنابلة: إنها مشروعة على وفق القياس وقد نصر هذا الرأي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، واستدل جمهور الفقهاء بأن الإجارة شرعت على خلاف القياس بقولهم: إن الإجارة بيع معدوم، وبيع المعدوم لا يجوز، لذا لم تكن الإجارة جائزة في الأصل إلا أنه لما وردت الأدلة الشرعية بجوازها كان هذا الجواز استثناء على خلاف الأصل والقاعدة التي قامت الأدلة الشرعية عليها.

أما أن الإجارة بيع، فلأن البيع مبادلة مال بمال، والإجارة كذلك لأنها مبادلة منفعة بمال هو الأجرة، وأما أن بيع المعدوم باطل فللأدلة الشرعية الكثيرة، ومنها حديث: لا تبع ما ليس عندك.

وأجاب بعض الحنابلة على استدلال جمهور الفقهاء فقالوا بأن الإجارة شرعت على وفق القياس وهي ليست بيعاً، لأن البيع الذي جاءت الأدلة على بطلانه إذا ورد على المعدوم هو الوارد على الأعيان التي يمكن أن توجد عند التعاقد، أما الإجارة فإنها ترد على منافع يتعذر وجودها عند التعاقد.

وردوا على قياسهم الإجارة بالبيع بقولهم: إن أردتم بالبيع الذي قستم عليه الإجارة معناه المطلق الشامل لبيع الأعيان والمنافع فإننا نسلم لكم أن الإجارة نوع منه بهذا المعنى، غير أننا لا نوافقكم على أن البيع بهذا المعنى هو الذي ورد النهي عنه إذا كان محله معدوماً لأن العقد على المنافع حال وجودها لا يتصور عقلاً فكيف يشترطه الشارع، ولهذا كان النهي عن بيع المعدوم واردا على بيع الأعيان التي يمكن تأخير العقد عليها حتى توجد دون ضرر ولا شدة حاجة.

أما المنافع فإنه يمتنع العقد عليها حال وجودها لأنها تكون معدومة عند العقد دائماً فجاز العقد عليها، ويكون هذا الجواز أصلاً في ذاته وليس مستثنى من غيره. ومثال هذا أيضا اختلافهم فيما إذا كان القرض مشروعاً على خلاف القياس أو على وفاقه.

فقال جمهور أهل العلم بالرأي الأول، وهو أن القرض عقد مشروع على خلاف القياس رفقا بالمحاويج وجلبا لمصلحة إسداء المعروف إلى العباد.

ومبنى هذا النظر أن القرض تمليك للشيء برد مثله فساوى البيع، إذ هو تمليك الشيء بثمنه، والمعاوضة في كليهما هي المقصودة، فكان بيعا ربويا بجنسه مع تأخر القبض، وهو محظور، فمن أجل ذلك جرى جوازه على خلاف القياس.

وقال بالرأي الثاني ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من الحنابلة: وهو أن القرض عقد مشروع على وفق القياس، وجاء على سننه، وليس فيه مخالفة لشيء من القواعد الشرعية، إذ هو من جنس التبرع بالمنافع كالعارية، فكأن المقرض أعاره الدراهم ثم استرجعها منه، لكن لم يمكن استرجاع عينها، فاسترجع مثلها...

وقل مثل هذا في إزالة النجاسة وفي الحجامة والتيمم والحوالة والرهن وحمل العاقلة الدية عن الجاني، وغيرها من أبواب الفقه.

ولك أن تراجع لزيادة في التفصيل كتاب: إعلام الموقعين لابن القيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني