الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وكلت والدها بالطلاق وهي لا تريد الإبراء

السؤال

عندي مشكلة وأرجو المشورة؛ تم عقد قراني منذ سنة ونصف تقريبا ولم يتم الدخول، ولكن حدثت خلوة أكثر من مرة والشيء الوحيد الذي لم يحدث هو الجماع؛ ومنذ شهر ونصف تقريبا تم الطلاق لأن أبي كان يريد ذلك بمحاولات مستميتة منه وتهديدات لي ولزوجي "نظراً لمشاكل عديدة لا مجال لذكرها الآن" وعرفت أن الطلاق إذا تم تحت تهديد لم يقع وعندما سمع أبي ذلك بدأ في إقناعي أن أوافق على الطلاق وأكون قاسية على زوجي حتى يطلقني بإرادته دون إكراه على أن يكون ذلك لفترة مؤقتة وعلى أن أعود لزوجي بعد فترة وبالفعل جاء زوجي وقسوت عليه كثيراً حتى طلقني وأشعر من أبي الآن بعدم صدقه معي ولم ينفذ ما وعدني به وأشعر بالندم لما فعلته مع زوجي؛ وهو يريد إرجاعي وأنا أريد أن أرجع له؛ علماً بأن الطلاق كان عند مأذون وهي طلقة واحدة مع الإبراء.
ملحوظة: أنا وكلت أبي في طلاقي ولكنه لم يسألني إذا كنت أريد الإبراء أم لا وأنا لا أريد الإبراء وأبي فعل ذلك من نفسه دون الرجوع إلي وفوجئت به بعد الطلاق، سؤالي هو: هل هذا الطلاق صحيح، وإذا كان صحيحا هل إذا أراد زوجي إرجاعي وأنا في العدة يجب أن يرجع لأبي، مع العلم بأنه هاتفني وقال لي أرجعتك، فهل أنا الآن زوجته حتى دون قسيمة زواج جديدة، مع العلم بأنه يوجد الآن قسيمة طلاق، وهل إذا كنت زوجته ماذا أفعل حيال أبي وهو يمنعني أن أرى زوجي أو أكلمه؟ أعتذر عن الإطالة؟ وجزاكم الله خيراً على سعة صدركم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن جمهور الفقهاء على أن الخلوة الصحيحة تقوم مقام الدخول، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 41127، والفتوى رقم: 43479، وعليه.. فإن طلق الرجل زوجته بعد أن خلا بها خلوة صحيحة فإن طلاقه يقع رجعياً، والطلاق بيد الزوج وليس لك ولا لأبيك علاقة به.

أما إبراء أبيك فإن كان أبرأ الزوج من صداقك أو من بعضه فإن الطلاق يقع رجعياً، ويمكن لزوجك مراجعتك ولا يشترط لذلك موافقتك ولا موافقة أبيك ولا يحتاج إلى مهر جديد وعقد جديد، وإن كان الزوج طلق في مقابل عوض يدفعه الأب من مال نفسه فيقع الطلاق بائناً.

أو خالع الأب من مالك أنت بأن أبرأ الزوج من الصداق أو مؤخر الصداق، ولكنه لم يصرح بأنه وكيل عنك أو ولي عليك فيقع الطلاق بائناً أيضاً وعلى الأب للزوج مهر المثل، وعلى الزوج أن يدفع لك المهر كاملاً.

أو قال الأب وكلتني بنتي بإبرائك من الصداق وكان الحال أنك لم توكليه، أو تصرف بصفته ولياً لك وهو لا تصح ولايته على مالك لكونك بالغة رشيدة، ففي الحالين لا يقع الطلاق أصلاً، وقد جاء تفصيل هذه الحالات في كلام أهل العلم.

قال الإمام الرملي في نهاية المحتاج: (ويصح اختلاع أجنبي وإن كرهته الزوجة) لأن الطلاق يستقل به الزوج، والالتزام يتأتى من الأجنبي لأن الله سمى بالخلع فداء كفداء الأسير وقد يحمله عليه ما بينهما من الشر (وهو كاختلاعها لفظا) أي في ألفاظ الالتزام السابقة (وحكما) في جميع ما مر فهو من الزوج ابتداء صيغة معاوضة بشوب تعليق فله الرجوع قبل القبول نظراً لشوب المعاوضة... ومن جانب الأجنبي ابتداء معاوضة بشوب جعالة... ومن خلع الأجنبي قول أمها -مثلا- خالعها على مؤخر صداقها في ذمتي فيجيبها فيقع بائنا بمثل المؤخر في ذمة السائلة كما هو واضح، لأن لفظ مثل مقدرة في نحو ذلك... (ولو) (اختلع رجل) بماله أو مالها (وصرح بوكالتها كاذبا) عليها (لم تطلق) لأنه مربوط بالتزام المال ولم يلتزمه هو ولا هي... (فإن) (اختلع) الأب أو الأجنبي (بمالها وصرح بوكالة) منها كاذباً (أو ولاية) له عليها (لم تطلق) لأنه ليس بوكيل ولا ولي في ذلك، والطلاق مربوط بالمال ولم يلتزمه أحد، ولأنه ليس له صرف مالها في عوض الخلع.... (أو باستقلال فخلع بمغصوب) لأنه بالتصرف المذكور في مالها غاصب له فيقع الطلاق بائناً ويلزمه مهر مثل ولو لم يصرح بأنه عنه ولا عنها، فإن لم يذكر أنه مالها فهو بمغصوب كذلك، وإلا وقع رجعيا لامتناع تصرفه في مالها بما ذكر. انتهى.

وعليه.. فإن كان والدك أبرأ الزوج من صداقك وصرح بأنه وكيل من قبلك في الإبراء وكان الزوج إنما طلق في مقابل المال فلا يقع الطلاق أصلا، وأنت زوجته ولا يحتاج لإرجاعك إلى عقد ولا مهر ولا يحسب عليه من الطلاق شيء.

وإن كان لم يصرح بالوكالة بالإبراء فيقع الطلاق بائناً، لأن الأب في هذه الحالة غاصب لمالك ومتصرف فيه بغير حق فيبطل تصرفه في مالك ويلزمه للزوج مهر المثل يدفعه الأب من ماله، هو ويحتاج الزوج في هذه الحالة إلى عقد جديد ومهر جديد بإذن الولي وحضور الشهود.

وعموماً فننصح بأمرين:

الأول: أن يتم معرفة كيف تم الإبراء وما هي الألفاظ التي استخدمها الأب في ذلك.

الثاني: مراجعة المحاكم وأهل العلم في بلدكم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني