الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من انتفع بمال ربوي موروث.. الحكم.. والحلول المقترحة

السؤال

لقد توفي أبي رحمه الله منذ ستة عشر عاما وترك لنا ولوالدتي مالاً في أحد البنوك الأوروبية الربوية وهذا المال يستعمله البنك في تعاملاته ونحصل منه على فائدة نتيجة لذلك، فهو في الزيادة كل يوم وأمي تصرف منه علينا أنا وإخواني وأخواتي، سؤالي هو: أمي تريد أن تجد حلاً لهذا المال من حيث، هل تحوله إلى بنك إسلامي أم تتصدق به كله، مع العلم بأن لولاه لما عشنا في هذا الحال منذ وفاة أبي ولا أخفي عليكم أن راتب والديّ الاثنين كاف، ولكن هذا المال الفائدة نستعمله في شراء مثلا سيارة أو صيانة المنزل أو في أعراسنا أنا وأخواتي، أرجوكم أن تدلوني على كيفية تحويله إلي البنك الإسلامي لأن ليس لدي خلفية عن الأمر، أنا حائرة منذ أن عرفت أن هذا المال حرام، هل سيعذبنا الله أنا وأمي وأخواتي على أكله واستعماله في حياتنا، مع أننا نعلم ماهيته، ولكننا كنا نحتاجه, أم الإثم يلحق أبي وحده الذي فعله، وإذا كان كذلك أرجو منكم ماذا أفعل لكي ينجو أبي من عذاب الله في القبر وفي الآخرة هل الدعاء فقط كاف أم ماذا، أمي مريضة بالسحر منذ زواجها من أبي منذ أن كانت 20عاما حتى الآن هي 46 عاما، وهي ما شاء الله تحفظ القرآن كاملا ومحافظة على صلاتها هل لديكم حل لمشكلتها، وهل دعاؤها لا يستجاب لأنها تأكل من مال ربا لأنها دائما تدعو الله أن يشفيها أم أن ساعة الشفاء لم تحن، الرجاء أن تجيبوني مأجورين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فوضع المال في البنوك الربوية وتقاضي فوائد ربوية على ذلك من أعظم المحرمات، وهو جالب لحرب الله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:278-279}، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء.

وإثم ذلك لا يقتصر على والدكم -عفا الله عنه- إنما يشملك أنت وأمك وإخوتك أيضاً لترككم هذا المال في البنك بعد أن آل إليكم الميراث وتقاضيكم عليه فوائد ربوية، ولا يؤثر في هذا أنكم كنتم تحتاجون إلى هذه الفوائد الربوية، في شراء سيارة أو صيانة منزل.... إلخ، لأن ذلك ليس ضرورة يستباح بها أكل الربا، فعليكم بالتوبة إلى الله من ذلك، فإن من تاب إلى الله توبة نصوحاً قبل الله توبته وغفر سيئاته، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {التحريم:8}، وقال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}.

ومن تمام هذه التوبة أن تسحبوا هذا المال من البنك الربوي وتتخلصوا مما فيه من فوائد ربوية وهي ما زاد على رأس المال الحلال الذي وضعه والدكم في البنك، وتتخلصوا منها بإنفاقها في مصالح المسلمين كإعانة الفقراء والمساكين وبناء المستشفيات ونحو ذلك، وما أنفقتموه على أنفسكم من هذه الفوائد بعد علمكم بحرمتها فالواجب عليكم إخراج بدله، لأن هذه الفوائد مال خبيث لا يجوز لكم تملكه؛ اللهم إلا إذا كنتم فقراء فيجوز لكم منه القدر الذي يندفع به وصف الفقر عنكم، لأنكم حينئذ مصرف من مصارفه، جاء في كتاب الاختيار لتعليل المختار من كتب الأحناف: والملك الخبيث سبيله التصرف به، ولو صرف في حاجة نفسه جاز، ثم إن كان غنياً تصدق بمثله، وإن كان فقيراً لا يتصدق. وراجعي الفتوى رقم: 32762.

وما بقي بعد ذلك في أيديكم من المال الحلال فلكم أن تضعوه في بنك إسلامي أو تستثمروه في مشروع حلال أو تحتفظوا به، ونعتذر عن بيان كيفية تحويله إلى البنك الإسلامي لعدم علمنا بذلك، وبإمكانك الاتصال بالبنوك الإسلامية عن طريق مواقعها على شبكة الإنترنت لكي يبينوا لك كيفية هذا التحويل.

وعليكم بالاستغفار لوالدكم والدعاء له والصدقة عنه عسى الله أن يغفر له، وراجعي الفتوى رقم: 34090، والفتوى رقم: 51247. هذا ما يتعلق بالسؤال الأول.

أما السؤال الثاني، فانظري الإجابة عليه في الفتوى رقم: 65327، والفتوى رقم: 5433.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني