الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الإسلام من قضية الأرقاء

السؤال

أكتب بالحروف اللاتينية لكن اللغة عربية وأنا آسف على هذا. يوجد شيء يشغل بالي منذ سنوات ولم أجد له جوابا شافيا هو أننا نعلم أن الإنسان شريف وكريم وقد كرمه وشرفه من خلقه، إذ ليس من المعقول أن يباع ويشترى كما كان يحدث في العصور الماضية رغم أن القرءان كان ينزل والرسول صلى الله عليه وسلم حي في ذلك الوقت والإسلام الحنيف يحث على عتق العبيد. لكن لماذا لم تنزل آية واحدة تحرم بيع الإنسان وتحرر كل من كان عبدا ثم يؤمن بعد ذلك باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إن شاء. أنا أعرف أن ديننا يكرم ويشرف ابن آدم وهو دين الله ولكن أريد توضيح هذا الأمر. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد جاء الإسلام والرق شائع في أمم الأرض كلهم، لا فرق عندهم بين أن يؤخذ الرقيق في حرب مشروعة، أو عدوان ظالم، أو احتيال على أخذ الحر غدرا وخيانة وأكل ثمنه. فضيق الإسلام هذا الباب، وشدد في حرمة بيع الحر واسترقاقه، وحصر دائرة الرق فيما أخذ من طريق الجهاد المشروع.

ثم سعى لتحرير الأرقاء، ورغب في ذلك ترغيبا ظاهرا بفتحه وتكثيره لمجالات العتق، ككفارة اليمين والظهار والقتل. وبجعله الرقيق يتحرر بمثلة سيده به، والأمة إذا استولدها سيدها، تتحرر بموت السيد وأولادها منه أحرار كما قام الإسلام بفتح مجال كتابتهم وتدبيرهم وعتقهم لأجل. وبجعل من أعتق جزءا من رقيقه يكمل عليه عتق الباقي جبرا عليه إن كان له يسار بذلك... إلى غير ذلك من المجالات الكثيرة التي تستهدف بوضوح القضاء على الرق.

ورأى بعض أهل العلم أن الله تعالى قد أشار عند ذكر كفارة الظهار إلى أن الرقيق سينعدم بما فتح من مجالات التحرير. قال تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المجادلة: 3، 4}.

فقوله تعالى: فمن لم يجد عند ذكر التحرير، وقوله: فمن لم يستطع عند ذكر الصيام، دليل على ما ذكر، لأن كلا الأمرين يحتمل عدم الاستطاعة، وإنما جاء ذكر عدم الوجود للإشارة إلى ما صار عليه الحال من انعدام الأرقاء بما فتح من مجالات تحريرهم.

والحاصل أن الإسلام قد شرف الإنسان وكرمه أيما تكريم، وإذا كان قد سمح باسترقاقه، فإن ذلك عائد إلى ما كان عليه الحال من استحكام أمر الرق وشيوعه بين الناس. فكان من الحكمة أن لا يتم القضاء عليه دفعة واحدة ، وإنما تضيق دائرته حتى ينتهي أمره بالتدريج كما حصل في نهاية الأمر.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني