الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التنازل عن بعض الميراث حياء

السؤال

توفي والدي وترك زوجة وأربعة أبناء وست بنات، ترك بيتا ومحلا تجاريا (مستأجراً) في وضع مالي سيء، فتم التنازل من قبل البنات عن حصتهم في الميراث لصالح البنين والأم بالتراضي مقابل مبلغ مادي كترضية للبنات وبرضاهن أقل بالطبع من قيمة حقهن الأصلي، بعد أربع سنوات بدأ وضع المحل التجاري بالتحسن فأبدت بعض البنات عدم الرضا وألمحن إلى أنهن كن غير راضيات تماما وأحسست أنا كأحد الأبناء بأن بعض البنات كن محرجات وبعضهن تراجع عن موقفه الأول بالرضا بعد عن تحسن وضع المحل التجاري، مع أن الموقف كان واضحا منذ البداية للجميع وأظهرن الرضا بمبلغ الترضية ولم يكن أمامنا خيار سوى أن نتراضى وإلا فقدنا البيت الذي يؤوي أمي بأبخس الأثمان والمحل التجاري له ظروف خاصة لا يمكن بيعه فلجأنا حينها إلى مبدأ التراضي، فهل يحق لأي بنت أن تتراجع عن قبولها بالتسوية، وما هو موقفي إذا أردت أنا كأحد الإخوة الأربعة إذا توجب علي رد الحقوق الأصلية (أو نصيبي فيها) إلى أخواتي البنات؟ وهل أسألهن أو أتنازل عن كامل نصيبي لهن، علما بأنني أنا من عقد الاتفاق معهن نيابة عن الجميع، عندما أسأل البنات عن رضاهن يصرحن بأنهن سامحن بحقهن لنا وأنهن لسن مطالبات، إلا واحدة أو اثنتين فإنهن يلمحن من ورائنا بغير ذلك دون التصريح به، فماذا أفعل بارك الله لكم وبكم، علما بأنني مستعد لأي حل فيه تقوى الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن تَنازُلَ الشخص عن حصته من الميراث حياء وإكراهاً لا يبيحه للمتنازَل له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه الإمام أحمد.

كما أنه إذا كان في البنات المذكورات من هي صغيرة أو سفيهة فإن تنازلها عن شيء من حقوقها في التركة لا يصح، وبالتالي لا يجوز للورثة تملكه، وأما إن كانت البنات جميعهن بالغات رشيدات وقت التنازل، وقد تنازلن عن سهامهن طواعية مقابل المبلغ الذي تم التراضي عليه، وقد طال الزمن - كما ذكر في السؤال - فليس لهن الرجوع بعد ذلك، ولو كان في المسألة غبن، قال ابن عاصم في تحفة الحكام:

والغبن من يقوم فيه بعدا * أن طال واستغل قد تعدى

قال الشيخ ميارة في شرحه: يعني أن الشركاء إذا قسموا واستغل كل واحد نصيبه وطال الأمد ثم قام أحدهم بالغبن.... فقد تعدى في قيامه، ولا قيام له ولا تسمع دعواه. والطول في ذلك السنة. وكذلك يفيت القيام بالغبن البناء والغرس. قال في طرر ابن عات: قال أبو إبراهيم: لا يقام بالغبن إلا بقرب القسمة وأما بعد طول واستغلال فلا قيام في ذلك. انتهى.

وبناء على جميع ما ذكر، فليس لمن رضيت من البنات بالمبلغ المذكور مقابل التنازل عن حصتها أن ترجع عما تم الاتفاق عليه إن كانت بالغة رشيدة، وأما الصغيرة أو السفيهة فلها ولوليها الرجوع عما اتفق عليه إن كان فيه غبن لها، وأما من تنازلت حياء وخجلا، فقد تقدم في أول الفتوى أن ما تنازلت عنه لا يطيب لمن أخذه، فلا بد أن يكمل لها حقها من التركة، وقد تبين لك مما ذكر أنك لست مطالباً ببذل جميع نصيبك من التركة، وإنما القدر الزائدعلى حقك منها فقط، وكذا جميع إخوتك، وهذا حيث كان الإخوات غير رشيدات أو رضين بما بذل لهن حياء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني