الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من تطويل أعمار بعض الناس وتقصيرها لآخرين

السؤال

ذكر الله سبحانه وتعالى التوبة في آيات كثيرة من كتابه العزيز، ونعلم جميعاً أنه سبحانه يبدل سيئات العبد حسنات إذا ما تاب، فمثلاً قد يتوب الرجل في سن الستين بعد ما قضى سنين عمره في المحرمات فيقبل الله توبته، إلا أن هنالك من يموت في سن مبكرة أي في الثلاثين من عمره ولا يسعده الحظ وقصر عمره بالاستفادة بهذه المنة من الله عز وجل ولو طال عمره وعاش إلى الأربعين أو الخمسين لربما كان من التائبين، فكيف يحكم الله في هذا الأمر وهو العادل بين عباده إذ أن من تاب في الستين لو مات في الأربعين لما كان من التائبين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أخي السائل أنه يجب على المسلم الاعتقاد بأن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم بما أراد، لا يسأل عما يفعل، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، قال سبحانه وتعالى: وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {الرعد:41}، وقال عز وجل: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.

ويجب على المسلم الاعتقاد أيضاً بأن الله تعالى عادل لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة، فقد قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40}، وقال سبحانه وتعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {فصلت:46}، وقال تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف:49}.

فكل أفعال الله لعباده عدل لا ظلم فيها، وهم يتقلبون بين فضل الله وعدله، قال الطحاوي في عقيدته: وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله. وتفضل الله تعالى على بعض عباده لا يعني أنه ظلم الآخرين الذين عاملهم بعدله.

كما يجب على المسلم الاعتقاد أيضاً بأن أفعال الله تعالى كلها لا تخلو من حكم قد نعلمها وقد نجهلها، ومن ذلك تطويل أعمار البعض وتقصير أعمار آخرين، قال ابن القيم في شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: فكم لله سبحانه من حكمة في ذلك الذي أخرمه صغيراً، وحكمة في الذي مد له في العمر حتى بلغ وأسلم، وحكمة في الذي أبقاه حتى بلغ وكفر. وهذه الحكم التي يشير إليها ابن القيم لا يمكن حصرها؛ لأن حكم الله تعالى تتعدد وتختلف من مخلوق لآخر، فما يكون خيراً لشخص قد يكون شراً لغيره، فقد يكون في مد العمر للعاصي زيادة له في المعصية والإثم كحال إبليس، وبالتالي فيكون قصر العمر أفضل لمن هذه حاله، فهو وإن كان من أهل النار إلا أنه قد يكون أخف عذاباً بسبب قصر عمره، بل ربما يكون قصر العمر منجياً له من النار على الإطلاق، كأن يقبض قبل فتنة يُضَلُّ فيها غيره، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. رواه مالك في الموطأ والترمذي وصححه الألباني.

وهي أمور دقيقة لا يعلمها إلا الله تعالى، والواجب على المسلم ألا يرهق نفسه بتتبع ما لا طاقة له على معرفته، بل هو من علم الغيب الذي اختص الله بمعرفته، ويكفيه أن يعلم أن الله لم يظلم من كلفه وأعطاه عقلاً وأرسل إليه رسلا فبينوا له الحق من الباطل، ثم خالفهم وعصاهم سواء كانت المدة التي امتحن فيها قصيرة أو طويلة، وأما لماذا أطال الله جل وعلا في عمر هذا وقصر في عمر ذاك فمما لا يمكن إدراكه على وجه التفصيل مع يقيننا أن ذلك لحكم عديدة يعلمها الله عز وجل، ثم إننا ننصحك أخي السائل بالبعد عن هذه الشكوك، وأن تنشغل بما ينفعك من الطاعات، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني