الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

حدث خلاف شديد بيني وبين زوجتي وقد أخطأت معها في هذا الخلاف خطأ جسيما فقد سببتها بألفاظ نابية بذيئة، ودعوت عليها بأن تصاب بأمراض لا يمكن للأطباء علاجها منها، وإنني أعلم بأنني مخطئ خطأ جسيما في هذا التصرف ومع ذلك فقد احتملت ولم تشك لأحد إلا أنها قد امتنعت عني كما امتنعت عن أن تقوم بخدمتي، فلم أستطع الصبر طويلا على هجرها لي فأخذت أشاكسها وأستفزها، ثم تطاولت عليها بالضرب فشكتني إلى عمها وهو محام متخصص في الجنايات فاتصل بي وأخبرني بأن أذهب إليه بعد انتهاء عملي في مكتبه في الساعة العاشرة مساء، فلما ذهبت إليه وجدتها وخالتها وعمها المحامي وعمها الآخر، وزوج عمتها. وعندما جلست قال لي: أنا استدعيتك لكي تسمع ولا تتكلم وتنفذ ما سأقوله لك ، فهذا قرار لا رجعة فيه. أنت اليوم ستطلق وتترك البيت لمدة 6 شهور لغاية لما تتعلم الأدب ولو أنا صفيت من ناحيتك وعرفت أنك اعتدلت ربنا يقدرني وأرجعكم لبعض ثانية بشروطي لا من أجلك ولكن للبنت التي بينكم وإلا فسترى ما أفعله فيك ولن آخذ الحق منك عن طريق المحاكم ، أنا أعرف كيف آخد حقي منك . وقام بتهديدي بأن يسلط علي أحد المجرمين بأن يقوم بقتلي أوأن يقذف علي ماء نار، كما قام بتهديدي بأن يعتقلني وأن يقوم بحبسي فرضخت لطلبهم وقمت بالطلاق، مع أنني قد رجوته كثيرا وتكرارا بأن يبتعد عن هذا القرار ويجد قرارا آخر يمكنه فيه أن يأخذ حقه وحق ابنتهم - زوجتي - التي أعترف بأنني قد أسأت إليها مراراً وتكراراً. إلا أنه لم ينثني عن قراره، وأخذ يقوم باتصالات متعددة لكي يهددني. وعندما جاءت زوجتي إلى المأذون رجوتها أن تمهلني فرصة أخيرة فرفضت، وقالت للمأذون: أنا أريد أن أطلق لأنني أكرهه ولا أطيق النظر إلى وجهه ولا قادرة أتحمل نفسه في البيت. مع كل هذه الأمور والتهديدات المتكررة من قبلهم رضخت لما يريدون وقمت بإجراءات الطلاق 1- التوقيع على أوراق الطلاق، ولكن بنية أن هذه الإجراءات الرسمية توثيق للطلاق الأول الذي قمت به من قبل (قبل الدخول بها حيث أنني قد انفعلت معها من قبل وقمت بطلاقها قبل الدخول ثم رددتها إلي مرة أخرى) فقلت في نفسي إن هذه فرصة لإثبات هذا الطلاق، وحتى يمكنني تهدئتهم وذلك لاقتناعي الكامل بأن هذا الطلاق الذي يريدونه واقع تحت الضغط والقهر من قبلهم. 2- بعد أن قمت بالتوقيع على أوراق الطلاق، قامت زوجتي بإبرائي من جميع مستحقاتها من المؤخر والنفقة ونفقة المتعة، فأخبرني المأذون بأنني بهذا التصرف لا يمكنني إرجاعها إلا بعقد ومهر جديدين في حضورها ولا يمكنني ردها غيبا، وجعلني أكتب إقرارا بهذا 3- في النهاية قام المأذون بترديد كلمات الإبراء لزوجتي ورردتها معه، ثم قال لي قل لها: أنت طالق، وهنا قمت بقول: أنت - مش (في سري) - طالق. فهل يقع هذا الطلاق على الرغم من أنه واقع تحت قهر وتهديد، ومع تلاعبي في لفظ الطلاق، أم أنها ما زالت زوجتي شرعا فأنا لا زلت متمسكاً بها وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يعيني على نفسي الأمارة بالسوء ؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما عن وقوع الطلاق فقد سبق في الفتوى رقم 54230 أن المكره إكراها ملجئا لا يقع طلاقه ، وسبق في الفتوى المذكورة تحديد شروط الإكراه الملجئ ، والسائل تنطبق عليه هذه الشروط ، ومن العلماء من يفرق بين الإكراه في باب الكفر وفي غيره من الأبواب ، فيرى أن الإكراه المعتبر في كلمة الكفر ليس كالإكراه المعتبر في الطلاق وغيره قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى :

" تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد ولا يكون الكلام إكراها . وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها أو مسكنها فلها أن ترجع بناء على أنها لا تهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراها في الهبة ولفظه في موضع آخر ; لأنه أكرهها ومثل هذا لا يكون إكراها على الكفر فإن الأسير إذا خشي من الكفار أن لا يزوجوه وأن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر ومثل هذا لو كان له عند رجل حق من دين أو وديعة فقال لا أعطيك حتى تبيعني أو تهبني فقال مالك هو إكراه وهو قياس قول أحمد ومنصوصه في مسألة ما إذا منعها حقها لتختلع منه . وقال القاضي تبعا للحنفية والشافعية ليس إكراها " انتهى .

وعليه فهذا الطلاق لم يقع لأنه صدر عن إكراه ، وبالتالي فالمرأة لا تزال في عصمة الزوج ، وإيقاع المأذون له لا يجعله نافذا شرعا، وللرجل إثبات الإكراه أمام الجهات القانونية .

ولا يحتاج إلى التلاعب بالألفاظ أو التورية ليتفادى وقوع الطلاق ما دام أنه مكره عليه ، قال في مغني المحتاج :

( ولا تشترط ) في عدم وقوع طلاق المكره ( التورية ) وهي من ورى أي جعل البيان وراءه ( بأن ) أي كأن ( ينوي ) بقوله : طلقت زينب مثلا ( غيرها ) أي زوجته أو ينوي بالطلاق حل الوثاق , أو يقول عقيب اللفظ ; إن شاء سرا ... أما هو(المكره) فيكفي بقلبه كما نقله الأذرعي عن القاضي الحسين عن الأصحاب , وهي فائدة حسنة . وضابط التورية أن ينوي ما لو صرح به لقبل ولم يقع الطلاق .

وننبه إلى أمور :

أولها : عدم جواز طلب الزوجة الطلاق لغير مسوغ شرعي ، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 199025.

ثانيها :أن السعي في التفريق بين الزوج وزوجته من الذنوب الكبيرة وسبق بيانه في الفتوى رقم: 32225.

كما ننبه إلى أن الطلاق قبل الدخول طلاق بائن ، لا يجوز مراجعة الزوجة بعده إلا بعقد جديد ومهر جديد ، فإن لم يكن عقد عليها عقدا جديدا ، فيلزمه أن يعقد عليها من جديد ، ونكاحه لها في الفترة السابقة نكاح شبهة ، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 61289 ، وفي الأخير نرشد السائل إلى ضرورة مراجعة الجهات المختصة بالمسائل الشخصية لتنظر في قضيته .

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني