الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا)

السؤال

مع أن النبى صلى الله عليه وسلم كان من أشجع الناس فضلآ عن كونه نبي يوحى إليه من ربه وهذا يستلزم قلبآ قويآ يحتمل من المشاهد مالا تحتمله قلوب الناس نجد أن القرأن الكريم يقول له صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب الكهف ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) الآيات ، سؤالي هو : ماالذي كان سيراه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام حتى يمتليء قلبه رعبآ ويولي من القوم فرارا ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقوله تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا {الكهف: 18 } ذكر المفسرون فيه أن الله تعالى حمى أهل الكهف بالرعب حتى لا يطلع عليهم أحد ، ولا يصل إليهم واصل ، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله ، ولم نجد نصا من الوحي يوضح ما سبب الرعب، وقد ذكر بعض المفسرين فيه أشياء سنذكرها فيما بعد ، وذكر بعضهم أن الخطاب فيه لغير النبي صلى الله عليه وسلم، واستدلوا لذلك بأنه صلى الله عليه وسلم رأى أشياء كثيرة مرعبة من أنواع العذاب في النار ولم تحمله رؤيتها على الفرار .

قال الطبري : وقوله تعالى : لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا . يقول : لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم ، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارا ، ولملئت منهم رعبا . يقول : ولملئت نفسك من اطلاعك عليهم فزعا ، لما كان الله ألبسهم من الهيبة ، كي لا يصل إليهم واصل ، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله ، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه ، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده ، ليعلموا أن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها .

وقال البغوي : واختلفوا في أن الرعب كان لماذا ؟ : قيل من وحشة المكان .

وقال الكلبي : لأن أعينهم كانت مفتحة ، كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم ، وهم نيام .

وقيل : لكثرة شعورهم ، وطول أظفارهم ، ولتقلبهم من غير حس ولا إشعار .

وقيل : إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يراهم أحد .

وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم . فقال ابن عباس رضي الله عنهم : لقد منع ذلك من هو خير منك ، فقال : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ) فبعث معاوية ناساً فقال : اذهبوا فانظروا ، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم . انتهى المراد من كلام البغوي وقد صحح ابن حجر في تغليق التعليق سند هذا الأثر.

وقال الألوسي في روح المعاني : فالذي ينبغي أن يعول عليه أن السبب في ذلك ما ألقى الله تعالى عليهم من الهيبة وهم في كهفهم ، وأن شعورهم وأظفارهم إن كانت قد طالت فهي لم تطل إلى حد ينكره من يراه، واختار بعض المفسرين أن الله تعالى لم يغير حالهم وهيئتهم أصلا ليكون ذلك آية بينة ... ثم ذكر الألوسي بعد كلام: أن الذي يميل القلب إليه أنه عليه الصلاة والسلام على القول بعموم الخطاب ليس من الأفراد المعنية به لأنه اطلع على ما هو أعظم منهم من ملكوت السموات والأرض ، ومن جعله معنيا قال : المراد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا بحكم جري العادة والطبيعة البشرية ، وعدم ترتب الجزاء على اطلاعه على ما هو أعظم منهم أمر خارق للعادة ومنوط بقوة ملكية بل بما هو فوقها ، أو المراد : لو اطلعت عليهم بنفسك من غير أن نطلعك عليهم لوليت منهم فرارا.. إلخ. واطلاعه عليه الصلاة والسلام على ما اطلع عليه كان باطلاع الله عز وجل إياه وفرق بين الاطلاعين .

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير : لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا . الخطاب لغير معين ، ... والمعنى : لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصتهم لحسبتهم لصوصا قطاعا للطريق ، إذ هم عدد في كهف ، وكانت الكهوف مخابئ لقطاع الطريق ، لفررت منهم وملكك الرعب من شرهم ، كقوله تعالى : نكرهم وأوجس منهم خيفة . وليس المراد الرعب من ذواتهم ؛ إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس ، ولا الخوف من كونهم أمواتا ؛ إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني