الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في روث وصوف ولبن وولد الشاة التي عينها للأضحية

السؤال

حكم الانتفاع بروث الأضحية على المذاهب الأربعة ومع ذكر المراجع وثبتها إذا تفضلتم ؟
شاكراً جهودكم المبذولة . شكرًا للشبكة الإسلامية .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم نقف على تفصيلات للفقهاء فيما يتعلق بروث الأضحية إلا ما في الفتاوى الهندية من كتب الحنفية: ويتصدق بروثها , فإن كان يعلفها فما اكتسب من لبنها أو انتفع من روثها فهو له , ولا يتصدق بشيء . كذا في محيط السرخسي.

وأما ما سوى الروث كاللبن والصوف والركوب ففيها تفصيلات للفقهاء أتي عليها أصحاب الموسوعة الفقهية نذكرها للفائدة قالوا: ذهب الحنفية إلى أنه يكره تحريما قبل التضحية أمور:

الأمر الأول: حلب الشاة التي اشتريت للتضحية أو جز صوفها, سواء أكان الذي اشتراها موسرا أم معسرا, وكذا الشاة التي تعينت بالنذر, كأن قال: لله علي أن أضحي بهذه , أو قال : جعلت هذه أضحية . وإنما كره ذلك , لأنه عينها للقربة فلا يحل الانتفاع بها قبل إقامة القربة فيها , كما لا يحل له الانتفاع بلحمها إذا ذبحها قبل وقتها , ولأن الحلب والجز يوجبان نقصا فيها والأضحية يمتنع إدخال النقص فيها . واستثنى بعضهم الشاة التي اشتراها الموسر بنية التضحية , لأن شراءه إياها لم يجعلها واجبة , إذ الواجب عليه شاة في ذمته كما تقدم . وهذا الاستثناء ضعيف , فإنها متعينة للقربة ما لم يقم غيرها مقامها , فقبل أن يذبح غيرها بدلا منها لا يجوز له أن يحلبها , ولا أن يجز صوفها للانتفاع به . ولهذا لا يحل له لحمها إذا ذبحها قبل وقتها . فإن كان في ضرع الأضحية المعينة لبن وهو يخاف عليها الضرر والهلاك إن لم يحلبها نضح ضرعها بالماء البارد حتى يتقلص اللبن , لأنه لا سبيل إلى الحلب . فإن حلبه تصدق باللبن , لأنه جزء من شاة متعينة للقربة . فإن لم يتصدق به حتى تلف أو شربه -مثلا- وجب عليه التصدق بمثله أو بقيمته . وما قيل في اللبن يقال في الصوف والشعر والوبر .

وقال المالكية : يكره أي تنزيها شرب لبن الأضحية بمجرد شرائها أو تعيينها من بين بهائمه للتضحية , ويكره أيضا جز صوفها قبل الذبح , لما فيه من نقص جمالها , ويستثنى من ذلك صورتان : أولاهما : أن يعلم أنه ينبت مثله أو قريب منه قبل الذبح . ثانيتهما : أن يكون قد أخذها بالشراء ونحوه , أو عينها للتضحية بها من بين بهائمه ناويا جز صوفها , ففي هاتين الصورتين لا يكره جز الصوف . وإذا جزه في غير هاتين الصورتين كره له بيعه .

وقال الشافعية والحنابلة : لا يشرب من لبن الأضحية إلا الفاضل عن ولدها , فإن لم يفضل عنه شيء أو كان الحلب يضر بها أو ينقص لحمها لم يكن له أخذه , وإن لم يكن كذلك فله أخذه والانتفاع به . وقالوا أيضا : إن كان بقاء الصوف لا يضر بها أو كان أنفع من الجز لم يجز له أخذه , وإن كان يضر بها أو كان الجز أنفع منه جاز الجز ووجب التصدق بالمجزوز.

الأمر الثاني: من الأمور التي تكره تحريما عند الحنفية قبل التضحية - بيع الشاة المتعينة للقربة بالشراء أو بالنذر , وإنما كره بيعها , لأنها تعينت للقربة , فلم يحل الانتفاع بثمنها كما لم يحل الانتفاع بلبنها وصوفها , ثم إن البيع مع كراهته ينفذ عند أبي حنيفة ومحمد , لأنه بيع مال مملوك منتفع به مقدور على تسليمه , وعند أبي يوسف لا ينفذ , لأنه بمنزلة الوقف . وبناء على نفاذ بيعها فعليه مكانها مثلها أو أرفع منها فيضحي بها , فإن فعل ذلك فليس عليه شيء آخر , وإن اشترى دونها فعليه أن يتصدق بفرق ما بين القيمتين , ولا عبرة بالثمن الذي حصل به البيع والشراء إن كان مغايرا للقيمة . وقال المالكية : يحرم بيع الأضحية المعينة بالنذر وإبدالها , وأما التي لم تتعين بالنذر فيكره أن يستبدل بها ما هو مثلها أو أقل منها . فإذا اختلطت مع غيرها واشتبهت وكان بعض المختلط أفضل من بعض كره له ترك الأفضل بغير قرعة . وقال الشافعية : لا يجوز بيع الأضحية الواجبة ولا إبدالها ولو بخير منها , وإلى هذا ذهب أبو ثور واختاره أبو الخطاب من الحنابلة . ولكن المنصوص عن أحمد - وهو الراجح عند الحنابلة - أنه يجوز أن يبدل الأضحية التي أوجبها بخير منها , وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة .

الأمر الثالث: من الأمور التي تكره تحريما عند الحنفية قبل التضحية - بيع ما ولد للشاة المتعينة بالنذر أو بالشراء بالنية , وإنما كره بيعه , لأن أمه تعينت للأضحية , والولد يتبع الأم في الصفات الشرعية كالرق والحرية , فكان يجب الإبقاء عليه حتى يذبح معها . فإذا باعه وجب عليه التصدق بثمنه . وقال القدوري : يجب ذبح الولد , ولو تصدق به حيا جاز , لأن الحق لم يسر إليه ولكنه متعلق به , فكان كجلها وخطامها , فإن ذبحه تصدق بقيمته , وإن باعه تصدق بثمنه . وفي الفتاوى الخانية أنه يستحب التصدق به حيا , ويجوز ذبحه , وإذا ذبح وجب التصدق به , فإن أكل منه تصدق بقيمة ما أكل . وقال المالكية : يحرم بيع ولد الأضحية المعينة بالنذر , ويندب ذبح ولد الأضحية مطلقا , سواء أكانت معينة بالنذر أم لا إذا خرج قبل ذبحها , فإذا ذبح سلك به مسلك الأضحية , وإذا لم يذبح جاز إبقاؤه وصحت التضحية به في عام آخر . وأما الولد الذي خرج بعد الذبح , فإن خرج ميتا , وكان قد تم خلقه ونبت شعره كان كجزء من الأضحية , وإن خرج حيا حياة محققة وجب ذبحه لاستقلاله بنفسه . وقال الشافعية : إذا نذر شاة معينة أو قال : جعلت هذه الشاة أضحية , أو نذر أضحية في الذمة ثم عين شاة عما في ذمته , فولدت الشاة المذكورة وجب ذبح ولدها في الصور الثلاث , والأصح أنه لا يجب تفرقته على الفقراء بخلاف أمه , إلا إذا ماتت أمه فيجب تفرقته عليهم , وولد الأضحية في غير هذه الصور الثلاث لا يجب ذبحه , وإذا ذبح لم يجب التصدق بشيء منه , ويجوز فيه الأكل والتصدق والإهداء , وإذا تصدق بشيء منه لم يغن عن وجوب التصدق بشيء منها . وقال الحنابلة : إذا عين أضحية فولدت فولدها تابع لها , حكمه حكمها , سواء أكانت حاملا به حين التعيين , أو حدث الحمل بعده , فيجب ذبحه في أيام النحر , وقد روي عن علي رضي الله عنه أن رجلا سأله فقال : يا أمير المؤمنين إني اشتريت هذه البقرة لأضحي بها , وإنها وضعت هذا العجل ؟ فقال علي : لا تحلبها إلا فضلا عن تيسير ولدها فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها عن سبعة .

الأمر الرابع: - من الأمور التي تكره تحريما عند الحنفية قبل التضحية - ركوب الأضحية واستعمالها والحمل عليها . فإن فعل شيئا منها أثم , ولم يجب عليه التصدق بشيء , إلا أن يكون هذا الفعل نقص قيمتها , فعليه أن يتصدق بقيمة النقص . فإن أجرها للركوب أو الحمل تصدق بقيمة النقص فضلا عن تصدقه بالكراء . وللمالكية في إجارة الأضحية قبل ذبحها قولان

أحدهما: المنع

وثانيهما ) الجواز وهو المعتمد . وقال الشافعية : يجوز لصاحب الأضحية الواجبة ركوبها وإركابها بلا أجرة , وإن تلفت أو نقصت بذلك ضمنها . لكن إن حصل ذلك في يد المستعير ضمنها المستعير , وإنما يضمنها هو أو المستعير إذا تلفت أو نقصت بعد دخول الوقت والتمكن من الذبح , أما قبله فلا ضمان , لأنها أمانة في يد المعير , ومن المعلوم أن المستعير إنما يضمن إذا لم تكن يد معيره يد أمانة . اهـ .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني