الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المجمل والمبين والمطلق والمقيد

السؤال

أيها الإخوة الكرام لدي سؤال حول البيان والإجمال، بحثت في بعض كتب الأصول فلم أعثر عليه، وهو: متى يحمل المجمل على المبين، أبحث عن القاعدة التي تحكم هذا الأمر، مثل القاعدة التي تحكم حمل المطلق على المقيد وهو عند اتحاد السبب والحكم... أفيدوني؟ جزاكم الله عني خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الموضوع الذي تبحث عنه متوفر في جل كتب الأصول وعلوم القرآن -إن لم نقل كلها- وهو مبحوث بالتفصيل والإسهاب في المطولات، وبالاختصار والإجمال في المختصرات، وعلى العموم فلا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الفن، ونحن نلخص لك ما تيسر من ذلك، فقد عرف علماء الأصول الكلام المجمل بأنه: ما احتمل معنيين أو أكثر دون رجحان أحدهما عند السامع، قال صاحب المراقي:

وذو وضوح محكم، والمجمل * هو الذي المراد منه يجهل.

والمبين هو الكلام المجمل إذا بين وأصبح واضح المعنى، كما قال صاحب المراقي في تعريفه:

تصيير مشكل من الجلي.... والكلام البين هو الدال على المعنى دون احتمال أو مع احتمال مرجوح.

والمجمل أنواع منها: اللفظ المشترك وهو ما وضع لأكثر من معنى كالقرء للطهر والحيض، وكالعين للباصرة والجارية.... ومنها مرجع الضمير إذا احتمل رجوعه إلى أكثر من معنى كما في قول الله تعالى: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ. فيحتمل رجوعه إلى الأهل والأولياء، ويحتمل رجوعه إلى الأزواج السابقين، ومن الإجمال ما هو مطلق بطبيعة بعض الكلام مثل الصلاة والزكاة... قبل بيانها، ومنه ما هو نسبي فيكون مجملاً بالنسبة للبعض دون البعض لذلك أمر أهل العلم ببيان ما يعلمونه لمن لا يعلمون، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين ما أجمل ويوضح ما أشكل بأقواله وأفعاله.... كما أمره الله تعالى بقوله: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

وحكم المجمل التوقف عن الاستدلال به حتى يتبين المراد منه أو يترجح أحد معانيه بدليل، وقد يبين المجمل بما يساويه في القوة والدلالة كما يبين بما هو أضعف منه، كما قال صاحب المراقي:

وبين القاصر من حيث السند * أو الدلالة على ما يعتمد.

وأما المطلق: فهو اللفظ الدال على فرد شائع غير محدد شيوعه بقيد لفظي، ومثاله إطلاق كلمة (رقبة) في كفارة الظهار في قول الله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا. قال صاحب المراقي:

وما على الذات بلا قيد يدل * فمطلق وباسم جنس قد عقل

والمقيد: هو ما زيد معنى على معناه... كما في (رقبة مؤمنة) فالإيمان معنى زيد على معنى الرقبة، فالرقبة مقيدة بالإيمان.

والمطلق يحمل على المقيد إذا اتحد حكمهما وسببهما، كما في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ. وقوله تعالى: أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا. قال صاحب المراقي:

وحمل مطلق على ذاك وجب * إن فيهما اتحد حكم والسبب

فالقاعدة أنه كلما ورد نصان من نصوص الوحي أحدهما مطلق والآخر مقيد، وتناولا حكماً واحداً مبنياً على سبب واحد حملنا المطلق منهما على المقيد، قال أهل العلم لأن من أساليب العرب في كلامهم إذا بينوا القول في موضع أن يختصروا إذا أرادوا الحديث عنه مرة أخرى، ويكون الاختصار بترك بعض القيود والتفاصيل التي ذكرت في موضع آخر اكتفاء بذلك الذكر أو البيان.

وفي هذه القاعدة تفصيل واختلاف في بعض الجزئيات، وخاصة إذا اختلف الحكم واتحد السبب، أو اتحد الحكم واختلف السبب، لذلك نرجو أن يرجع إلى تفاصيل ذلك في كتب الأصول وعلوم القرآن، وخاصة مراقي السعود وشرحه نثر الورود للشنقيطي، ومفتاح الأصول للتلمساني، والواضح للأشقر، والإتقان للسيوطي وغيرهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني