الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما هي شروط صلاة الجمعة والمكان الذي تصح فيه ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

تنقسم شروط صلاة الجمعة إلى ثلاثة أنواع:
1- شرط وجوب وصحة معاً.
2- شرط وجوب فقط
3- شرط صحة فقط.
أما الأول وهو: شرط الوجوب والصحة معاً، فالمتفق عليه منه هو دخول الوقت فلا تجب الجمعة ولا تصح إذا فعلت في غير وقتها.
ووقتها عند الجمهور هو وقت صلاة الظهر، وخالف الحنابلة في مبدئه فقالوا: إنه يبدأ من بعد طلوع الشمس، والأفضل عندهم أداؤها بعد الزوال.
وأما المختلف فيه فشيئان:
أ - المكان الذي تقام فيه، فالحنفية يشترطون للوجوب والصحة معاً المصر والمراد بالمصر عندهم البلدة التي فيها سلطان أو نائبه لإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام.
ويلحق بالمصر عندهم ضواحيه وأفنيته والقرى المنتشرة حوله.
ولم يشترط الفقهاء الآخرون هذا الشرط بهذه الهيئة، فالشافعية يكتفون باشتراط إقامتها في خطة أبنية، سواء كانت من بلدة أو قرية. والمالكية ينحون منحاً قريباً من هذا، فيشترطون أن تقام في مكان صالح للاستيطان، فتصح إقامتها عندهم في المكان الذي فيه الأبنية والأخصاص ( أي البيوت المبنية من الخشب أو سعف النخيل) لاتخاذها عادة للاستيطان فيها مدة طويلة، وصلاحيتها لذلك ولا تصح في المكان الذي كل مبانيه خيم لعدم اتخاذها للاستيطان عادة وعدم صلاحيتها لذلك.
وأما الحنابلة فلا يشترطون شيئاً من هذا، فتصح عندهم في الصحاري وبين مضارب الخيام
والراجح في هذه المسألة هو أن الجمعة تصح في كل مكان حصل فيه اجتماع الناس- واسمها مشتق من ذلك- ولا يشترط المصر بل تصح في المدن والقرى وقد بوب البخاري بما يقتضي ذلك فقال: ( باب الجمعة في القرى والمدن) وذكر حديث ابن عباس أنه قال إن أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين). وجواثي أولها جيم بعده واو ممدودة ثم ثاء مثلثة قرية من قرى البحرين قال الحافظ في الفتح ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن…." وعن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر رضي الله عنهما يسألونه عن الجمعة فكتب إليهم جمعوا حيث كنتم" أخرجه بن أبي شيبة وصححه ابن خزيمة كما قال الحافظ وهذا يشمل المدن والقرى.
وروى البيهقي في سننه عن الوليد ابن مسلم قال سألت الليث ابن سعيد كل مدينة أو قرية بها جماعة وعليه أمير أمروا بالجمعة فليجمع بهم فإن أهل الإسكندرية ومدائن مصر ومدائن سواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما بأمرهما وفيها رجالٌ من الصحابة.
ثم قال البيهقي بعد أن نقل جملة من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم في هذا المعنى قال: "والأشبه بأقاويل السلف وأفعالهم إقامة الجمعة في القرى التي أهلها أهل قرار وليسوا بأهل عمود ينقلون…)
بل أن بعض أهل العلم صححها من أهل البادية مستدلين بما روى عبد الرزاق بإسناد صحيح -كما قال الحافظ - عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم"
ب - إذن السلطان في إقامتها، وهذا الشرط عند الحنفية فقط، ولم يشترطه غيرهم غير أن المالكية يرون أنه يندب استئذانه أولاً فإن منع وأمن شره لم يلتفت إلى منعه وأقيمت وجوباً. ولا دليل من الكتاب أو السنة على اعتبار هذا الشرط.
النوع الثاني من شروط الجمعة وهو: شرط الوجوب فقط، ويتلخص في خمسة أمور:
1- الإقامة في المكان الذي تقام فيه الجمعة سواء كانت الإقامة دائمة أو مؤقتة تقطع حكم السفر.
2- الذكورة، فلا تجب على النساء
3- الحرية، فلا تجب على العبد لانشغاله بخدمة سيده.
4- صحة البدن وخلوه مما يشق معه -عادة- الخروج لشهود الجمعة في المسجد، كمرض وألم شديدين، ودليل ما تقدم ما أخرجه أبو داود عن طارق ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض."
وأما سقوطها عن المسافر فلما أخرجه البهقي والدار قطني وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا مريضاً أو مسافراً أو امرأة أو صبياً أو مملوكاً". وللحديث شواهد كثر.
وألحقوا بالمريض ممرضه الذي يقوم بأمره، ولا يجد من ينوب عنه ممن لا تجب عليه.
5- السلامة من العاهات المقعِدة، كالشيخوخة الشديدة والعمى، فإن وجد الأعمى قائداً متبرعاً أو بأجرة معتدلة وجبت عليه عند الجمهور.
هذا بالإضافة إلى العقل والبلوغ والإسلام، كما هي مشترطة في باقي العبادات.
النوع الثالث من شروط الجمعة هو شرط الصحة فقط، ويتلخص في أربعة أمور:
أ - خطبة متقدمة على الصلاة مما يطلق عليه اسم خطبة مشتملة على حمد وذكر وتذكير.
ب - الجماعة، ولا خلاف في أصل هذا الشرط، وإنما الخلاف بين الفقهاء فيما يتحقق به؟ على ثلاثة مذاهب مشهورة:
الأول: للشافعية والحنابلة: يجب أن لا يقل المجمعون عن أربعين رجلاً ممن تجب عليهم الجمعة. الثاني: للمالكية: يجب أن لا يقل المجمعون عن اثنى عشر رجلاً ممن تجب عليهم أيضاً.
الثالث: للحنفية: أنها تنعقد بالإمام وثلاثة معه.
وهنالك أقوال أخرى لبعض أهل العلم مذكورة في المطولات، وقد عد الحافظ ابن حجر خمسة عشرة قولاً وليس لشيء منها مستند تقوم به الحجة على اشتراطه بعينه، ولذلك نص جماعة من الأئمة على أن المشترط هو حصول ما يسمى جماعة عرفاً، من غير تعيين عدد معين، لعدم ثبوت تعيينه من الشارع .

ج - أن لا تتعدد الجمعة في المكان الواحد لغير حاجة أو ضرورة، وهذا مذهب الجمهور، وهو الراجح لأن الجمعة شرعت لاجتماع الناس عليها حسب الإمكان فلو صلت كل طائفة في مسجدها مع إمكان اجتماعهم في مسجد واحد لم يحصل المقصود منها.
د - اشترط الحنفية أن يكون المكان الذي تقام فيه مأذوناً فيه إذناً عاماً، بحيث يكون مفتوحاً للجميع.
فهذه هي مجمل شروط الجمعة التي يذكرها الفقهاء، وفي بعضها خلاف. ومنهم من زاد غيرها.
والحق أنه لا عبرة به منها إلا ما قام دليل من كتاب أو سنة أو إجماع عليه، وما سوى ذلك فالجمعة فيه مثل غيرها من الصلوات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني