الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وقف المال على المواقع الإلكترونية الدعوية

السؤال

هل يغني التبرع للمواقع الإلكترونية عن التبرع في المجالات الأخرى؟ أريد أن أوقف مبلغا لله تعالى فما أولويات هذا الوقف (هل أوقف في بناء مسجد أم بناء بئر ماء أم ماذا) وعلى أي أساس يتم تحديد الأولويات؟ أريد أن أوقف مبلغا من المال لوجه الله تعالى وأريد أن يكون هذا الوقف عبارة عن تبرع لموقع إلكتروني يخدم الدعوة الإسلامية ، فسؤالي: هل أجري مستمر حتى لو ألغي أو توقف هذا الموقع؟هل الوقف الإسلامي مرتبط بمكان أو زمان، وهل الوقف مرتبط بمجال معين أم أنه يتنوع بتنوع الحاجة إليه ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الوقف -وهو في الشرع حبس المال وصرف منافعه في سبيل الله- عمل خيري مفيد وعبادة مالية يتعبد بها لله عز وجل ويتقرب بها له سبحانه وتعالى، وقد سنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعرف هذا العمل الخيري من قبله كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم، ورغب فيه صلى الله عليه وسلم وأقره وأخبر أن ثوابه لا ينقطع بموت الواقف، بل يجري عليه وهو في قبره فتزاد به حسناته ويتواصل به ثوابه، في حين أن أكثر العبادات الأخرى تنقطع فائدتها وينقطع تجدد ثوابها بالموت، جاء في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.

وهذا العمل الخيري صالح لكل زمان وفي كل مكان، وفي كل مجال فيه نفع، وأفضل مجال لهذه العبادة المالية وهذا الاستثمار الخيري الأخروي هو ما كانت حاجة المسلمين إليه أكثر ومنافعه أعم والمصالح المرجوة من ورائه أرجح. قال صاحب الدرالمنثور وهو شافعي: العمل المتعدي أفضل من القاصر ولهذا قال الأستاذ أبو إسحاق وإمام الحرمين وأبوه وغيرهم بتفضيل فرض الكفاية على فرض العين..

وقال ابن الحاج المالكي في المدخل: ولا يختلف أن النفع المتعدي أفضل من القاصر على المرء نفسه..

فإذا تقرر هذا علم أن وقف المال لصالح المواقع الإلكترونية التي تبث النافع وتنشره عقيدة وأحكاما وأخلاقا وتزيل الشبه من أجَلّ ما توقف له الأموال وتتفق فيه، بل هي أولى وأحق ما تصرف فيه الأموال، وذلك لأمرين:

الأمر الأول:أن مجال نشر العلم والدعوة إلى الله والسعي في إزالة الجهل الذي عم وطم، والذي هو من أقوى أسباب الهداية للناس والأخذ بحجزاتهم إلى سبيل الاستقامة والعبادة عن علم لا يوازيه غيره من المشاريع الخيرية بل ولا يدانيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم . متفق عليه. وقد تقدم الحديث: إذا مات الإنسان انقطع عمله..

الأمر الثاني: أن الاستفادة من هذه المواقع في نشر العلم أعم من أي طريق آخر لنشره في هذا العصر كما هو معلوم، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإنما العطاء إنما هو بحسب مصلحة دين الله، فكلما كان لله أطوع ولدين الله أنفع كان العطاء فيه أولى، وعطاءُ محتاجٍ إليه في إقامة الدين أو قمعِ أعدائه وإظهاره وإعلانه أعظم من عطاء مَنْ لا يكون كذلك، وإن كان الثاني أحوج.

وإذا توقف الموقع أو ألغي فلا يعني ذلك توقف الأجر من كل جهة، بل العلم الذي نشره الموقع وعلمه للناس والذي كان سببا لهداية من أراد الله له الهداية يحصل له أجره وأجر من استفاد منه إلى يوم القيامة، فنشر العلم من الأمور التي يجري ثوابها على الإنسان في قبره.

روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره. رواه ابن ماجه.

ثم إن توقف الموقع أو إلغاءه لا يلزم منه توقف الاستفادة من المال الموقوف للموقع في مجالات أخرى، فبإمكان ناظر الوقف إذا تعذر عليه استمرار الموقع أن يجعل هذا المال في مشروع خيري آخر يجري ثوابه على الواقف، فقد نص المحققون من أهل العلم على جواز تغيير صورة الوقف من صورة إلى صورة أصلح منها ويظل الأجر جاريا.

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني