الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيح مسألة قياس المصاب بسلس المذي على المستحاضة

السؤال

فضيلة الشيخ لماذا قاس الفقهاء أحكام السلس على أحكام الاستحاضة، فهل قاس الصحابة سلس البول أو الريح على ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمستحاضة؟ أم أنهم عملوا بأن السلس من الأمور المسكوت عنها رحمة من الله وبالتالي السلس غير ناقض وهو أحد آراء الإمام مالك بأن السلس عموما غير ناقض ووافقه شيخ الإسلام ابن تيمية، الوحيد من الصحابة الذى سأل عن السلس كما عرفت هو علي بن أبى طالب عندما طلب من فاطمة أن تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي قال صلى الله عليه وسلم يغسل ذكره ويتوضأ ولم يقل لوقت كل صلاة أي لم يقس الرسول صلى الله عليه وسلم أحكام المذي على الاستحاضة لماذا لا يكون الرأي الراجح أن السلس مسكوت عنه رحمة بالأمة وما يخرج طبيعيا هو فقط الناقض للطهارة؟ وجزاكم الله خيرا على الرد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي أمره علي رضي الله عنه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي هو المقداد وليس فاطمة رضي الله عنها، ففي الصحيحين وغيرهما عن علي قال: كنت رجلا مذاء فأمرت رجلاً أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فسأل فقال: توضأ واغسل ذكرك. وهذا الرجل هو المقداد كما صرحت بذلك بعض روايات الحديث.

ثم إن معنى الحديث المذكور هو الأمر بالوضوء وغسل الذكر من خروج المذي، وليس الغسل كما كان علي رضي الله عنه يظن، ففي بعض روايات الحديث عنه رضي الله عنه أنه قال: كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، إذا رأيت المذي.. إلى آخر الحديث.

وقد أوضح أهل العلم أنه إذا كثر خروج المذي بحيث يصل إلى حد السلس فإنه يصير مثل غيره من الأحداث، قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد عند كلامه على حديث علي الآنف الذكر: هذا حديث مجتمع على صحته لا يختلف أهل العلم فيه ولا في القول به، والمذي عند جميعهم يوجب الوضوء ما لم يكن خارجاً عن علة أبردة وزمانة، فإن كان كذلك فهو أيضاً كالبول عند جميعهم، فإن كان سلساً لا ينقطع فحكمه كحكم سلس البول عند جميعهم أيضاً؛ إلا أن طائفة توجب الوضوء على من كانت هذه حاله لكل صلاة قياساً على الاستحاضة عندهم، وطائفة تستحبه ولا توجبه. انتهى.

ولا يلزم من كون الرجل مذاء أن يصل إلى حالة السلس، فالسلس هو الحدث الملازم الوقت كله أو أكثره أو نحو ذلك مما يشق معه إعطاء حكم الحدث الأصلي من الطهارة أو الوضوء أو نحوهما لهذا الحدث الملازم، فحالة علي رضي الله عنه لم تصل إلى درجة السلس الذي تكلم فيه أهل العلم؛ إذ لو كانت كذلك لما اختلفوا في حكم السلس، لأن الحديث نص في مسألة علي، ولا يسوغ مع النص اختلاف، فالسلس إذاً شيء آخر، وإنما قاس الفقهاء صاحبه على المستحاضة لاتحادهما في نفس العلة والحكم، فكلاهما متصف بنجاسة متصلة خارجة من السبيلين لعلةٍ، والمستحاضة منصوص على حكمها، إذاً فلا فرق بينهما، وهذا ما يسمى بالقياس، وهو أصل من أصول الفقه معمول به في الكثير من المسائل المعللة عند العلماء من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا، وما ألحق بأصل نص الشارع على حكمه لا يعتبر في حكم المسكوت عنه الذي لم نكلف بالبحث عن حكمه، لأنه في حكم المنصوص عليه عند من يرى القياس من أهل العلم وهم الجمهور.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني