الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المحبوس ظلما هل يستحق عوضا عن حبسه

السؤال

زوجي رجل شريف والحمد لله، ولكنه كان يعمل لدى شركة نشاطاتها مشبوهة وذلك دون أن يتورط في أي من هذه النشاطات، وحينما تمادت هذه الشركة بالتعامل بالحرام قدم استقالته تحرياً للحلال وبغرض رد الشبهات، وخصوصاً أنه يعمل في قسم المحاسبة، فعمد أصحاب الشركة الفاسدون أخلاقياً وعقائدياً إلى تهديده بعدة طرق وذلك خوفاً منهم أنه سيفشي أسرار الشركة والتي من الممكن أن تجرمهم وتخسرهم الأموال الطائلة، وحينما أصر زوجي وترك العمل لديهم، عملوا على تلفيق تهمة النصب والسرقة له واستخدموا نفوذهم حتى يسجنوا زوجي حوالي أربعة أشهر على ذمة التحقيق، وخلال هذه الفترة دفعوا الأموال والرشاوي حتى لا يخرج بأي طريقة وحتى يتم إخفاء الأدلة التي تثبت براءته، خلال هذه الفترة عانى زوجي ما عانى من المهانة والإحساس بالظلم والجور وتكلف مادياً ومعنوياً بشكل كبير ومرض من جراء ذلك أثناء فترة سجنه، ولكنه والحمد لله خرج واستطاع أن يجمع أدلة دامغة تثبت براءته وبأن هذا تلفيق كيدي، ونحن في انتظار الحكم الذي نأمل أنه سيكون لمصلحتنا إن شاء الله وبعونه، السؤال هو: هل يحق له أن يطلب تعويضاً مادياً كبيراً في مقابل ما عاناه من هذا الظلم وخصوصاً أن سمعته تشوهت بعد أن عمد أصحاب الشركة إلى نشر الإشاعات عنه؟ وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن نهنئ زوجك على ما تحمله في سبيل النجاة من الحرام، فإن جميع ما يمكن أن يكسبه المرء في هذه الدنيا لا يساوي شيئاً إذا قيس بما يترتب على أية مخالفة شرعية، فدين المرء رأس ماله ولله در القائل:

إذا أبقت الدنيا على المرء دينه * فما فاته منها فليس بطائل

وفيما يتعلق بالسؤال عما إذا كان يحق لزوجك أن يطلب تعويضاً مادياً في مقابل ما عاناه من هذا الظلم، وعن تشويه سمعته بما عمد أصحاب الشركة إليه من نشر الإشاعات عنه، فجوابه أن التعويض عن الحبس محل اختلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن مجرد حبس الحر ومنعه من العمل لا يلزم له فيه تعويض، وإنما تلزم له أجرة مثله لو استُخدم، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى:

ومنفعة البضع والحر بالتفويت... ومنفعة غيرهما بالفوات

وجاء في شرح الدسوقي المالكي ما معناه: إن من عطل حراً عن العمل فلا شيء عليه، وهذا المعنى في سائر شراح مختصر خليل، وجاء أيضاً هذا المعنى في كتب الشافعية، ففي نهاية المحتاج عطفاً على ما لا يضمن: وكذا منفعة بدن الحر لا تضمن إلا بالتفويت في الأصح دون الفوات كأن حبسه ولو صغيراً...

ومن أهل العلم من يرى أن من حبس حراً ضمن له أجرة عمله ولو لم يستخدمه، كما في الفتوى رقم: 46311.

وهذا المذهب الأخير هو الذي نراه أقرب إلى الصواب، وعليه فإن من حق زوجك أن يطالب الجهة التي حبسته ظلماً بالتعويض عن الحبس، وأما تشويه سمعته بما عمد أصحاب الشركة إليه من نشر الإشاعات عنه، فليس له المطالبة بالتعويض عنه، وإنما له الحق في رفع أمر من وقع منه ذلك إلى ولي الأمر ليؤدبه الأدب المناسب لاعتدائه عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني