الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى اعتبار شعر العانة دليلا على البلوغ

السؤال

لماذا لم يعتبر كل من الحنفية والشافعية نبات شعر العانة كدليل للبلوغ علما بأن هناك واقعة أكدت ذلك في التراث الإسلامي وأيهما يأتي أولا الاحتلام أم نبات شعر العانة المعتد به كعلامة للبلوغ ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالشافعية لا يعتبرون نبات شعر العانة من علامات البلوغ في حق الطفل المسلم لأنه ربما لجأ إلى تعجيله بوسيلة ما للتخلص من الحجر عليه، فإنه ما دام صغيرا يمنع من التصرف في أمواله. ففي الغرر البهية ممزوجا بالبهجة الوردية على الفقه الشافعي:

ونبت أي وبنبات عانة خشنة يحتاج في إزالتها إلى حلق لطفلِ مَن كفر أو جهل إسلامه ولو أنثى؛ لخبر عطية القرظي قال: كنت من سبي بني قريظة فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل، وكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني في السبي. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وليس ذلك بلوغا بل أمارة عليه، ولهذا لو لم يحتلم وشهد عدلان بأن عمره دون خمس عشرة سنة لم يحكم ببلوغه بالنبات كما يعلم مما سيأتي، وإنما يكون أمارة في الخنثى إذا كان على فرجيه. قال الماوردي: أما طفل المسلمين فلا يحكم ببلوغه بذلك لسهولة مراجعة الآباء، والأقرباء من المسلمين بخلاف الكفار، ولأنه متهم في الإنبات فربما تعجله بدواء دفعا للحجر وتشوفا للولايات؛ بخلاف الكافر فإنه يفضي به إلى القتل أو ضرب الجزية، وهذا جرى على الأصل والغالب وإلا فالأنثى والخنثى والطفل الذي تعذرت مراجعة أقاربه المسلمين لموت أو غيره حكمهم كذلك. انتهى.

وجعلوا الحديث الوارد في الإنبات دليلا على البلوغ في الطفل الكافر دون المسلم.

وأما الحنفية فعللوا عدم اعتباره دليلا على البلوغ بكونه يختلف من بلد لآخر ومن بيئة لأخرى، وتأولوا الحديث بكون النبي صلى الله عليه وسلم علم عن طريق الوحي أن الإنبات في القوم المذكورين يكون عند البلوغ أو أراد تنفيذ حكم سعد فيهم. ففي المبسوط للسرخسي وهو حنفي:

وفيما ذكر من الأخبار في الأصل عن الزبير رضي الله عنه عمن شهد المشاهد قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة فقال: من كانت له عانة فاقتلوه، ومن لم تكن له عانة فخلوا عنه. فكنت ممن لا عانة له، فخلي عني. قلت: وما من أحد إلا وله عانة، فالعانة في اللغة الموضع الذي ينبت عليه الشعر، ولكن المراد: من نبت الشعر على ذلك الموضع منه. وجعل اسم الموضع كناية عنه، وبه يستدل مالك رحمه الله تعالى، فإنه يجعل نبات الشعر دليل البلوغ، ولسنا نقول به لاختلاف أحوال الناس فيه، فنبات الشعر في الهنود يسرع، وفي الأتراك يبطئ، وتأويل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف من طريق الوحي أن نبات الشعر في أولئك القوم يكون عند البلوغ، أو أراد تنفيذ حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، فإنه كان من حكمه بأن يقتل منهم من جرت عليه الموسى لعلمه أنه كان من المقاتلة فيهم. انتهى.

ونبات شعر العانة يأتي متزامنا مع بعض علامات البلوغ الأخرى كالاحتلام مثلا. قال ابن قدامة في المغني متحدثا عن الإنبات:

ولأنه أمر يلازم البلوغ غالبا فكان عَلَما عليه كالاحتلام. انتهى.

وقد يختلف الأمر هنا حسب الأشخاص والبيئات، فقد يوجد من الناس من يتقدم في حقه الإنبات عن الاحتلام، ومنهم من يتأخر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني