الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تثبت الخطيب فيما يرويه من الأحاديث

السؤال

ما مدى صحة هذه الأحاديث: "إن الله عز وجل قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا أكملهم الله عز وجل من الملائكة". "من صبر على حر مكة باعد الله عنه حر جهنم" "‏إن الله يبعث الركن الأسود له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد لمن استلمه بحق‏" وهل صح حديث في أن الحجر الأسود ‏نزل من الجنة أبيضاً فسودته ‏ذنوب بني آدم، وهل فعلا أن البيت الحرام رفع إلى السماء الرابعة عندما حدث طوفان نوح عليه السلام، غاية ما وجدت بنفسي هو أن حديث "من صبر على حر مكة باعد الله عنه حر جهنم" قال فيه الحافظ أبو جعفر العقيلي: لا أصل له, ولا أدري هل صح هذا النقد أم لا، أما بقية الأحاديث فلم أقف لها على أقوال العلماء، كلها قالها خطيب مسجدنا فوق المنبر، وأخبروني إذا كانت هناك نصائح يجب أن أبلغه إياها أو بالأحرى إذا ما تعلق الأمر بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتهاون في عدم التثبت في صحتها فمتى تكون النصيحة فرضا لا مفر منه ومتى يكون في الأمر سعة؟ أسأل الله العظيم أن يثبتكم وأن يجعل عملكم خالصا لوجهه الكريم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإليك أخي السائل ما وقفنا عليه من كلام العلماء حول الأحاديث الواردة في السؤال، وعلى حسب ترتيبها:

الحديث الأول: إن الله عز وجل قد وعد هذا البيت..... الحديث ذكره الإمام الغزالي في الإحياء وقال عنه الحافظ العراقي: لا أصل له، وأورده الشوكاني في كتابه (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة)، وكذا الملا علي القاري في كتابه (الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة)، وبهذا يعلم أن هذا الحديث لا أصل له.

الحديث الثاني: من صبر على حر مكة ساعة من نهار.... قال عنه الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة: هكذا ذكره أبو الوليد الأزرق في تاريخ مكة بغير سند ثم الزمخشري في آل عمران من تفسيره، وقد أخرجه العقيلي من ترجمة الحسن بن رشيد من الضعفاء... وهذا باطل لا أصل له وابن رشيد يحدث بالمناكير، فالحديث إذاً غير ثابت.

الحديث الثالث: إن الله يبعث الحجر الأسود.... هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه واللفظ له من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر: والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق. قال الترمذي حديث حسن وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط، فالحديث صحيح ثابت.

الحديث الرابع: الحجر الأسود من الجنة. رواه أحمد والنسائي والترمذي واللفظ له مرفوعاً: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بنى آدم. والحديث قال عنه الترمذي حسنه وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.

وأما خبر رفع الكعبة عند الطوفان إلى السماء الرابعة فلم نقف فيه على حديث موصول لا صحيح ولا ضعيف، ولكن روى ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفاً عليه قال: لما أهبط الله آدم من الجنة، قال: إني مهبط معك بيتاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ويصلى عنده كما يصلي حول عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفعه الله إليه، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله بعد لإبراهيم...

وهذا موقوف على عبد الله بن عمرو رضى الله عنه وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فربما يكون أخذه من أهل الكتاب، وإننا ننصح إخواننا من الأئمة والخطباء وسائر المسلمين أن يتثبتوا فيما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية الأحاديث الموضوعة والمكذوبة، فقال عليه الصلاة والسلام: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين. وانظر لذلك الفتوى رقم: 77467.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني