الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تقرض أخاها مع كونه تاركا للصلاة؟

السؤال

أخي يحتاج نقودًا، ويريد الاقتراض، لكنه ليس ملتزماً، ولا يصلي، ولا يحسن التصرف في الإنفاق، وقد سبق واقترض، ولم تتحسن حالته. فهل يعد من السفهاء الذين نهى الله تعالى عن إعطائهم الأموال؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولًا أن نحيلك إلى حكم تارك الصلاة، ولك أن تراجعي فيه فتوانا: 17277.

وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فقد قال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً {النساء: 5} أي قوام عيشكم الذي تعيشون به.

وورد في أحكام القرآن لابن العربي عند تفسير قوله تعالى: {أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا حَقِيقَةٌ، وَالْمُرَادُ نَهْيُ الرَّجُلِ أَوْ الْمُكَلَّفِ أَنْ ‌يُؤْتِيَ ‌مَالَهُ ‌سُفَهَاءَ أَوْلَادِهِ؛ فَيُضَيِّعُونَهُ وَيَرْجِعُونَ عِيَالًا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَهْيُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ إيتَاءِ السُّفَهَاءِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِضَافَتِهَا إلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَلْقِ، تَنْتَقِلُ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ، وَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] مَعْنَاهُ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا؛ فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ فَيَكُونُ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أُعْطِيَ الْمَالُ سَفِيهًا فَأَفْسَدَهُ رَجَعَ النُّقْصَانُ إلَى الْكُلِّ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَمِيعُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ حَالٍ
. اهـ.

وعلى أية حال؛ فإن نصوص القرآن والسنة جاءت تحذر من تبذير المال والإسراف في صرفه. قال الله تعالى: وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا {الإسراء:26-27}. وقال تعالى: يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ [الأعراف:31].

وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب قول الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ {الأعراف:32}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" وقال ابن عباس: كل ما شئت والبس، ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة.

وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كره لكم قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. رواه البخاري.

وعليه، فينبغي أن تسعي في نصح أخيك بالالتزام بالصلاة أولاً؛ لأنها عماد الدين، والالتزام بسائر أحكام الشرع؛ لأن ذلك هو وسيلته الوحيدة للنجاة من عذاب الله. ثم بالالتزام بعد ذلك بحسن التصرف في المال.

ويمكنك أن تستثمري فرصة احتياجه لدعوته إلى الاستقامة.

ونسأل الله -جلَّ وعلا- أن يعينك ويجعلك سببًا لهدايته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني