الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قتل جميع المتمالئين على القتل

السؤال

القضاء في القتل، نحن قبليون نعيش باليمن, قامت فئة مكونة من سبعة أشخاص بقتل شخص عمدا وغدرا وهم يفتخرون علنا بهذا لأن ذلك الشخص كان شجاعا, حيث كانوا يختلقون أوهاما وأسبابا غير صحيحة أمام الناس لتمهد لهم الطريق لقتله، وبحسب رواية الشهود المشهود لهم بالأمانه أنه قام بقتله واحد منهم وكان الستة الآخرون شاهرين أسلحتهم منتظرين أن يخطئ صاحبهم القاتل فإن أخطأ ينفذ القتل أي واحد منهم، فسؤالي الأول: هل الستة الآخرون يقتلون كونهم دخلوا في حكم القتل بالتمالؤ, (وكذلك القاتل طبعا يقتل)؟
أما السؤال الآخر: فقد قام أحد ورثة المقتول بقتل السبعة واحدا تلو الآخر, فهل حكمه أنه قام بالقصاص (حيث كانت نيته ليست الثأر بل القصاص)، علما بأن القضاء اليمني وهيبة الدولة في القرى وبين القبائل لا تؤثر ولا يعتد بها, أي أن القضاء إذا أوكل إليه الأمر فلن يستطيع الفصل فيه لضعفه خارج المدن الرئيسية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى أن نصرة الأقارب ليس معناها الوقوع في الظلم عندما يقع فيه فرد من أفراد القبيلة، بل معناه كف الظالمين عن ظلمهم، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره. رواه البخاري وغيره.

واعلم أن روح المؤمن عظيمة عند الله، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}، وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقا ما لم يصب دما حراماً، فإذا أصاب دما حراماً بلح. وروى ابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق.

وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإن المتمالئين على القتل يقتلون جميعاً إذا لم يعف عنهم أولياء الدم أو يرضوا بالدية منهم، فقد روى مالك في الموطأ أن عمر رضي الله عنه قال في رجل تمالأ عليه جماعة من أهل اليمن: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً. وهذا ما درج عليه الشيخ خليل في المختصر حيث قال: ويقتل الجميع بواحد والمتمالئون... قال الشيخ الدردير: (و) يقتل ((المتمالئون) على القتل أو الضرب بأن قصد الجميع الضرب وحضروا، وإن لم يتوله إلا واحد منهم إذا كان غير الضارب لو لم يضرب غيره لضرب. انتهى.

وهذا هو عين ما ذكرته أنت في السؤال، حيث قلت: إنه قام بقتله واحد منهم وكان الستة الآخرون شاهرين أسلحتهم منتظرين أن يخطئ صاحبهم القاتل، فإن أخطأ ينفذ القتل أي واحد منهم، ولكن شريعة الإسلام السمحة الغراء لم تجعل للإنسان أن يقتص لنفسه، وإنما جعلت القصاص والحدود والتعازير للسلطة الحاكمة، لما يترتب على استيفاء الشخص لها بنفسه من المفاسد.

ففي الخرشي عند قول خليل: كالقاتل من غير المستحق، وأدب، قال: التشبيه في قوله معصوماً، والمعنى أن القاتل دمه معصوم بالنسبة إلى غير مستحق دمه، وأما بالنسبة إلى مستحق دمه فلا عصمة، لكن إذا قتله من غير إذن الإمام فإنه يؤدب لافتياته على الإمام أي الإمام العدل، وإلا فلا أدب كما قاله أبو عمران.

والحاصل أن الشخص الذي قام بقتل جميع القتلة، إن لم يكن هو المستحق الوحيد للدم، فعليه القصاص، لأن دماء القتلة معصومة إلا بالنسبة لولي الدم، وإن كان هو المستحق للدم فقد استوفى ما له من الحقوق، وعلى السلطة أن تؤدبه لئلا يعم أخذ الناس للثأر بأنفسهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني