الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة في العبادات والتشريع على صفتها المأمور بها

السؤال

ما الحكمة فى أن بعض الصلوات جهرية والبعض الآخر سرية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الحكمة في اصطلاح الأصوليين هي المصلحة التي قصد الشارع من تشريع الحكم تحقيقها أو تكميلها، أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم دفعها أو تقليلها.

ولم يعرف في تمييز الحكم من كيفيات وصفات العبادات وجه معين غير العجز عن التعليل بطريق من الطرق المعتبرة، وإن ظهرت بعض هذه الحكم وعقلت عند التأمل. ولذلك قالوا: إن ما شرعه الله إن ظهرت لنا حكمته قلنا: إنه معقول المعنى، وإلا قلنا إنه تعبدي.

واختلف الفقهاء هل يخلو حكم شرعي عن حكمة أم لا؟

فابن القيم سيراً على نهج شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رأى أنه ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة، يعقله من يعقله، ويخفى على من خفي عليه.

ومن ذلك اختصاص الوضوء بالأعضاء المخصوصة، والصلاة بتلك الهيئة من رفع اليدين والقيام والركوع والسجود وكونها على بعض الهيئات دون بعض، واختصاص الصيام بالنهار دون الليل، واختصاص الحج بتلك الأعمال المعلومة… إلى أشباه ذلك مما لا تهتدي العقول إليه على وجه الجزم والإحاطة.

وبما أن الصلاة خصت بأفعال مخصوصة على هيئات مخصوصة إن خرجت عنها لم تكن عبادة، وأن الذكر في هيئة ما مطلوب، وفي هيئة أخرى غير مطلوب، وأن القراءة يسر بها في النهار ويجهر فيها بالليل… وأشباه ذلك، علمنا يقيناً تعين أن المقصود الشرعي الأول هو التعبد بذلك على صفته تلك، وأن غيره غير مقصود شرعاً.

ويجب أن نعلم أن التعبد بالأفعال من غير إدراك أوجه الحكمة منها على التفصيل، أن التعبد لله بذلك مقصود للشارع، فإن فيه زيادة الإيمان والتسليم، وقبول ما يعجز العقل عن إدراكه، لأنه جاء من عند الله.

والعبد كما أنه محتاج إلى إدراك أسرار التشريع ليزداد يقيناً بحكمة الشارع، وعظمة هذا الدين، فإنه محتاج إلى التسليم بما يعجز عن إدراكه ليختبر صدق إيمانه، وصحة استسلامه لله، باعتباره عبداً ضعيفاً عاجزاً عن إدراك الكل. وهذا فرق ما بين العابد والمكابر.

وقد ذكر السرخسي في المبسوط: أن المشركين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويسبون من أنزل ومن أنزل عليه، فأنزل الله تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً، فكان يخافت بعد ذلك في صلاة الظهر والعصر، لأنهم كانوا مستعدين للأذى في هذين الوقتين، ويجهر في صلاة المغرب، لأنهم كانوا مشغولين بالأكل، وفي صلاة الفجر والعشاء، لأنهم كانوا نياماً، ولهذا جهر في الجمعة والعيدين، لأنه أقامها في المدينة وما كان للكفار بها قوة أذى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني