الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل يتفق أهل السنة والجماعة في شروط الإمام؟ وما هي التفصيلات في هذا الموضوع؟ لاسيما عند أئمة المذاهب الأربعة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الإمامة العظمى (الخلافة) هي: أرفع المناصب الدينية؛ إذ يحل القائم بها محل الرسول صلى الله عليه وسلم في صيانة الدِّين، وسياسة الدنيا به؛ ولذا كثرت، واشتدت الشروط المطلوبة في الإمام؛ لعظم الخطب، ونحن نذكر - إن شاء الله - ما اتفق الأئمة على شرطيته من هذه الشروط، ثم نثني بما اختلفوا فيه، فقد اتفقوا على:

- الإسلام: فلا تصح ولاية الكافر، قال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، والإمامة كما يقول ابن حزم: أعظم السبيل. فهي أولى بالنفي، وعدم الجواز.

- التكليف: ويشمل العقل، والبلوغ، فلا تصح إمامة الصبي، والمجنون؛ لأنهما في ولاية غيرهما، فلا يوليان على المسلمين.

- الذكورة: فلا تصح إمارة النساء؛ لحديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. رواه البخاري من حديث أبي بكرة.

ولأن هذا المنصب تناط به الأعمال الخطيرة، والأعباء الجسيمة؛ مما يتنافى مع طبيعة المرأة، وأنوثتها، فاقتضت حكمة الشرع صرفها عنه، وعدم تكليفها به؛ رحمة بها، وشفقة عليها أولًا، وصونًا له هو ثانيًا من أن يوكل إلى من لا يستطيع القيام به، فيضيع.

- الكفاية، ولو بغيره: والكفاية هي الجرأة، والشجاعة، والنجدة، بحيث يكون قيمًا بأمر الحرب، والسياسة، والذبِّ عن الأمة، أو مستعينًا بأهل الكفاية في ذلك.

- الحرية: فلا يصح عقد الإمامة لمن فيه رق؛ لأنه مشغول بخدمة سيده. وهذا القدر من الشروط متفق عليه.

أما المختلف فيه من الشروط، فهو:

- العدالة، والاجتهاد: فذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أن العدالة، والاجتهاد شرطا صحةٍ؛ فلا يجوز تقليد الإمامة لفاسق، أو مقلدٍ، إلا عند فقد العدل، والمجتهد، وذهب الأحناف إلى أن كلًّا منهما شرط أولوية، فيصح تقليد الفاسق، والعاصي، ولو عند وجود العدل، والمجتهد، وإن كان الأولى، والأفضل تقديم العدل المجتهد.

- سلامة اليدين، والرجلين، والسمع، والبصر: فذهب جمهور الفقهاء إلى أنها شروط انعقاد، فلا تصح إمامة الأعمى، والأصم، ومقطوع اليدين، والرجلين ابتداءً، وينعزل إذا طرأت عليه؛ لأنه غير قادرٍ على القيام بمصالح المسلمين على وجه الكمال، ولأن مقصد الإمامة هو: القيام بمصالح المسلمين، على ما تقتضيه قواعد الشرع، فكل ما يؤثر على هذا المقصد بالإبطال، أو النقص، كان انتفاؤه شرطًا في صحة الإمامة، وقد قال تعالى: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، فكانت الزيادة في العلم، والجسم مرجحًا، ومقدمًا له على غيره، فدل ذلك على أن أصل العلم، وسلامة الجسم، شرط في القيادة، ومن أعظمها: الإمامة الكبرى.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يشترط ذلك، فلا يضر الإمام عندهم أن يكون في خلقه عيب جسدي، أو مرض منفر، كالعمى، والصمم، وقطع اليدين، والرجلين، والجذام؛ إذ لم يمنع من ذلك قرآن، ولا سنة، ولا إجماع، وهذا تساهل لا ينبغي، والاحتياط في حق الأمة بتشديد شروط الإمامة؛ مراعاة لمصلحة الأمة بتولية الأصلح - أولى من التساهل في شروط الإمامة - مراعاة لمصلحةٍ خاصة، وقد مضى الدليل.

والحق أن اشتراط سلامة الأعضاء مما يمنع استيفاء الحركة للنهوض بمهام الإمامة، لا ينبغي أن يكون محل خلاف.

- النسب: فقد اشترط الجمهور أن يكون الإمام قرشيًّا؛ لحديث: الأئمة من قريش. متفق عليه، بل نقل الماوردي الإجماع على هذا الشرط، ومع ذلك؛ فقد خالف فيه آخرون، ومما يحتجون به ما روي عن عمر أنه قال: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيًّا لوليته. إلا أن هذا الأثر ضعيف، فقد عزاه العجلوني في كشف الخفاء لأبي نعيم، وضعف سنده، ولو صح حمل قول عمر -رضي الله عنه- على عدم اطلاعه على الأحاديث القاضية بحصر الإمامة في قريش، وهو احتمال بعيد، والأثر لا يصح -والحمد لله-.

ولا يشترط أن يكون الإمام هاشميًّا، ولا علويًّا باتفاق المذاهب الأربعة؛ لأن الثلاثة الأول من الخلفاء لم يكونوا من بني هاشمٍ، ولم يطعن أحد من الصحابة في خلافتهم، فكان ذلك إجماعًا على عدم اشتراط الهاشمية، أو العلوية في الإمامة العظمى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني