الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

الشكر الجزيل لموقعكم الرائع وبارك الله في جهود القائمين عليه،
هل يكفي غلبة الظن في وقوع الطلاق ؟
وما حكم الشخص الذي لا يستطيع الوصول إلى اليقين في كثير من الأفعال هل صدرت منه أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فغلبة الظن تكفي في وقوع الطلاق، فمن غلب على ظنه أنه طلق زوجته وجب عليه أن يفارقها لأن العبرة بالظن الغالب فيجب العمل به ولا يشترط اليقين، وهذا في أغلب الأحكام الشرعية والتعبدية، قال صاحب غمز عيون البصائر وهو حنفي: وغالب الظن عندهم يلحق باليقين...وصرحوا في الطلاق بأنه إذا ظن الوقوع لم يقع، وإذا غلب على ظنه وقع.اهـ.

وقال الدسوقي وهو مالكي: وأما إن ظن أنه طلق وقع عليه. اهـ

ومثل ذلك أغلب الأحكام الشرعية فيكفي في لزومها أو براءة الذمة منها غلبة الظن؛ كما قال العلوي في مراقيه : بغالب الظن يدور المعتبر

إذن فلا يشترط اليقين، وتكفي غلبة الظن، هذا في حق من عمل عملا أو قال قولا ولم يستطع الوصول فيه إلى اليقين، إلا إذا كان موسوسا فهذا يصعب عليه بل ربما يستحيل في حقه الوصول لغلبة الظن. ولذا قال بعض أهل العلم يعمل بأول خاطر، قال ابن مفلح في الفروع: ومن شك في عدد الركعات أخذ باليقين، اختاره الأكثر، منهم أبو بكر و م ش وزاد يبني الموسوس على أول خاطر، كطهارة وطواف. ذكره ابن شهاب وغيره. اهـ. وذكره صاحب المحرر. وفي التاج والإكيل: قال ابن بشير في الموسوس: يبني على أول خاطريه إن سبق إلى نفسه أنه أكمل وضوءه أو أنه على وضوئه فلا يعيد، وإن سبق إلى نفسه أنه لم يكمل أعاد ولأنه في الخاطر الأول مشابه للعقلاء، وفي الثاني مفارق لهم. وقيل: لا يلتلفت إلى شكه فوجوده كعدمه نص عليه ميارة، وأما طلاقه فما جزم به منه ولم يكن مغلوبا على عقله فإنه يقع ولا يلفت إلى ما سوى المجزوم به مما توسوس به نفسه فلا يقع، قال العبدري: وسمع عيسى أيضا في رجل توسوسه نفسه فيقول قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه، فقال: يضرب عن ذلك ويقول للخبيث: صدقت، ولا شيء عليه، ابن رشد هذا مثل ما في المدونة أن الموسوس لا يلزمه طلاق وهو مما لا طلاق فيه لأن ذلك إنما هو من الشيطان فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه كالمستنكح في الوضوء والصلاة فإنه إذا فعل ذلك أيس الشيطان منه فكان ذلك سببا لانقطاعه عنه إن شاء الله. وعبارة التهذيب: من لم يدر أحلف بطلاق أو غيره أمر من غير قضاء، وكذلك إن حلف بطلاق ثم لم يدر أحنث أم لا أمر بالفراق، وإن كان ذا وسوسة في هذا فلا شيء عليه. اهـ

وأما الموسوس المغلوب على عقله فلا يلزمه طلاق ولو نجزه لأنه في حكم المجنون، قال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: وعن الليث لا يجوز طلاق الموسوس يعني المغلوب في عقله، عن الحاكم هو المصاب في عقله إذا تكلم تكلم بغير نظام. اهـ، وانظر الفتوى رقم: 56096.

إذن فالشخص العادي لا يلزمه الوصول لليقين وإن استطاع الوصول إليه فهو أولى، والموسوس العادي لا يلتفت إلى ما فات وما يشك فيه من عبادته أو غيرها، وله العمل بأول خاطر كما قيل، وإن كان لا يجب على المرء أن يتذكر أفعاله وتبقى حاضرة دائما، قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: ولا يجب على أحد أن يتذكر ما مضى من عبادته وإن قرب العهد به حتى أنه لا يجب عليه أن يتذكر البسملة بعد أن صار في الحمد لله رب العالمين، وكذلك لا يجب عليه أن يتذكر الركوع بعد صيرورته في الاعتدال وما أشبه ذلك. اهـ

ثم إننا ننبه السائل الكريم على أن أمور الطلاق خصوصا ما كان منها صادرا من مصاب بالوسوسة لا ينبغي أن يبت فيها إلا المحاكم الشرعية لأنها هي التي تستطيع أن تستفصل من الشخص وتسمع منه كل ما صدر منه، وتنظر في أحوال وملابسات الأمر، فعليه أن يرجع إلى المحاكم الشرعية.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني