الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعترض على أفعال الله قدوته إبليس

السؤال

قال تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) وقال تعالى في سورة الإنسان (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا)، فالذي لا يسمع ولا يبصر أنا أعلم أنه غير مكلف، ولكن هل الذي لا يسمع ولا يبصر هو غير إنسان كما هو موضح في الآية، وهل هو مخلوق عبثا، ولو نفترض أن الله تعالى قد خلقه فتنة لأبويه واختباراً لهم فما ذنبه هو ليتعب في هذه الحياة ويشقى لكي يختبر أبواه، قال تعالى (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون)، وقال تعالى: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما"، والله منزه على أنه يعذب عباده ليختبرهم هل رحمة الله بعباده المتقين تقتضي تعذيبهم في الدنيا مقابل ما سيحصلون عليه في الآخرة، لماذا هذه الوحشية التي لا تليق برب كريم لعباده المتقين، هل الله غير رحيم لعباده المتقين الذين يعبدونه، في الحديث القدسي عندما يقول الإنسان في الصلاة (الرحمن الرحيم) يقول الله تعالى أثنى علي عبدي، فكيف بقول الإنسان ذلك وهو غير مقتنع بهذه الرحمة، كما أود أن أذكر حالات أخرى غير فقدان السمع والبصر، كالمجنون هل هو مخلوق عبثا، الذي يولد وعنده الإيدز نظراً لأن أبويه كانوا فساقا ما ذنبه هو، قال تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وكذلك الذي يولد من أب وأم زانيين ما ذنبه هو ليرمى في الشارع بلا أب أو أم، الذي يولد مقطوع الأيدي والأرجل أو عنده مرض عقلي أو ذهني، سيعيش بلا عمل وبالتالي سيتسول في الشوارع إن لم يكن أبوه غنيا وتاركا له أموالا طائلة لكي تكفيه طوال حياته، كما أن الإنسان لا يضمن أي شيء، فلنفترض مثلا إنسان مولود مقطوع الأيدي فإنه لو دعا الله حتى بموت أن يعطيه الله أيدي لما أعطاه وهذا عكس الآية (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، هذا معناه أن الله سيستجيب له في الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السأم) أو أن (ماء زمزم لما شرب له)، فهل لو ضع المعاق هذه الاشياء على جسده وهو على يقين تام أن الله سيشفيه لكي يتكون له يد أو رجل ستتكون! حتى لو دعا الله فإنه لن يستجيب له في الدنيا، ومن المعلوم أن الإنسان يحب ويتمنى أن يعيش في سعادة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق, ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب)، أنا الصراحة عندما أخاف من هذه الأحداث أنها تحصل لأبنائي بعد الزواج والإنجاب وبعد ذلك أندم وأحزن عليهم، كما أنني غير متأكد هل سيصبرون على الابتلاءات أم لا لأنه تختلف من إنسان لآخر حسب شخصيته وتقبله للأمر الواقع قررت أن أعمل في هذه الحياة ليتوفر لدي مبلغ حتى لو أصبحت في أرذل العمر أذهب إلى دار رعاية المسنين حتى الموت أنا لا أريد أن أنجب أولادا لكي يتعذبوا في هذه الدنيا وأنا غير ضامن قضاء الله وقدره، وكما أسلفت فإن الدعاء لا يحدث في هذه الحالات، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالفأل، فكيف يفأل الإنسان وهو يرى أن هذه المصائب تحدث أمام عينيه وهو يعلم أن الله لن يستجيب له في بعض الحالات، أن يكون ترابا أفضل له في نظري، وأعتقد أني لو حاولت أن أنجب ولدا واتخذت الأسباب في ذلك فإني إنسان معدوم الضمير، فقررت عدم اتخاذ الأسباب من زواج ونحوه لإنجاب الولد خوفا عليهم ورحمة بهم ولكي أتأكد أنهم لن يعذبوا في الدنيا أو في الآخرة، ومن المعلوم أن هذه الدنيا حقيرة ولكني أيضا عندما أستمع إلى أحداث يوم القيامة وأهوالها أريد أن أريح أشخاصا ما من هذه المشاكل، فما الحكم في ذلك، علما بأن الرسول قال (تكاثروا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)، وقال صلى الله عليه وسلم (وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)، علما بأنني عندي عاهة مستديمة وأنا مقتدر على الزواج ماديا ولا أخشى العنت أو الوقوع في الزنا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذه الأسئلة والتساؤلات قد احتوت على الكثير من التناقض، وعلى السخرية من القدر، وعلى محاولة تكذيب النصوص الشرعية، ونحن لا نريد تتبع جزئيات السؤال نقطة نقطة، لأنه لا يليق بفتاوانا تناول تلك الجزئيات لما فيها من سوء الأدب مع الله، وسنحاول الرد عليها بصفة مجملة فنقول: إن لله تعالى في مخلوقاته حكما بالغة قد لا يدرك كنهها سائر الأفراد، وليس لأي أن يعترض على الله في شيء من فعله، فقد قال جل من قائل: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}، ومن اعترض على ربه كان شبيها بإبليس حين قال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا {الإسراء:61}، والله تعالى يستجيب للعبد ما لم يستعجل، وقد حذرنا نبيناً صلى الله عليه وسلم من الاستعجال، فقال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال، قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم.

كما أن استجابة الدعاء قد لا تكون على الوجه الذي يتوقعه الداعي، بل قد يدخر الله تعالى له تلك الدعوة إلى وقت أحوج ما يكون إليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر. ولكن الشخص إذا لم يكن مؤمناً بما وردت به النصوص المعصومة فلا ينبغي أن يطمع نفسه في حظ ممن الاستجابة، فندعوك إلى التوبة من هذه الألفاظ قبل أن يحال بينك وبينها، فإنك بها إنما تضر نفسك، ولن تضر الله شيئاً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني