الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحل الشرعي في انتفاع الابن بمال أبيه الذي يتعامل بالحرام

السؤال

إذا وجد شاب حديث التخرج والعمل لديه راتب يسمح له بالزواج في شقة مناسبة بالإيجار الجديد في القاهرة ووالده عمله حلال إلا أنه يصر-هداه الله- على منع الزكاة وأكل الفوائد الربوية البنكية منذ أكثر من 25 سنة حتى الآن بالرغم من نصحه المتكرر وبيان أدلة تحريم ذلك له من أول هذه المدة. قام الوالد مؤخرا بشراء شقة فاخرة جدا له كما اشترى لابنه شقة فاخرة ليتزوج فيها.. الابن يخاف من أكل الشبهات ولا يريد استعمال الشقة التي اشتراها له والده لأنه يتمنى على الله هداية الوالد ويظن أن الديون المتراكمة من زكاة وربا قد تستغرق هذه الأموال.
قام الابن بمصارحة أبيه بمخاوفه وطلب منه معرفة الوضع المالي للديون ولكن الأب رفض تماما أن يخبره بالمبلغ.. فقام الابن بمحاولة اجتهادية تقريبية جدا على حسب غاية وسعه ومعلوماته عن مال الوالد بتقدير المال فقاده حسابه إلى أن الزكاة المتراكمة ستستغرق ربع رأس المال الأصلي تقريبا وأن الربا الذي يعطيه البنك لمدة 25 سنة يزيد على رأس المال الأصلي بحوالي مرة ونصف..وأن المال السائل المتبقي عند الوالد حاليا لا يكفي لأي شيء من هذا وأن الوالد سيحتاج لبيع شقته هو أو شقة الابن أو الشقتين معا ليخرج الديون ( وأيضا الابن لا يرضيه أن يقوم الوالد ببيع الشقة التي اشتراها لنفسه وقد كبر سنه عندما يتوب الله عليه باذن الله كما أنه حتى لو باعها فلربما لا يزال يحتاج لبيع شقة الابن أيضا إذا لم يكف المبلغ).. قد تكون الحسابات غير دقيقة ولكن هذا غاية وسعه وهولا يريد أن يتزوج في شقة فيها شبهة خصوصا مع مقدرته على البديل الحلال قام الابن باسئذان الوالد في أن يسمح له بالزواج في شقة بالإيجار فغضب الوالد ورفض وحزن بشدة فاستأذنه الابن أن يبيع شقة الابن الفاخرة ويشتري له شقة أرخص لتقليل الشبهة ولكنه رفض كما رفض أن يظل الولد بلا زواج خوفا من استعمال الشقة كما رفض إطلاعه على الوضع المالي على جهة اليقين ليستريح وربما رفض إطلاعه على الوضع المالي لأنه سيؤكد مخاوف الابن والله أعلم.. الابن يفضل الموت على أكل الحرام ويفضل عدم الزواج مطلقا على السكن في شبهة ثم ماذا يفعل إن سكن فيها فعلا ثم تأكد بعد ذلك لا قدر الله من الحرمة كيف ينتقل بزوجته فجأة إلى إيجار فيكون قد غرر بها لاسيما وهو يعلم احتمال ذلك من الآن . الابن يعتقد أنه إذا أصر وسكن في إيجار قد يودى ذلك بحياة الوالد من الحزن لا قدر الله لذلك عزم على ألا يفعل ذلك أبدا إن شاء الله وعزم على عدم الزواج حلا للمشكلة إلا أن الوالد يلح عليه ليتزوج..الابن يعلم وجوب طاعة الوالد في الشبهة ولكن الأمر خطير ويوجد بديل مباح وهو الإيجار لولا رفض الوالد، الابن لا يستطيع أن يتيقن الحرمة لإصرار الوالد على إخفائها فحسابات الابن تقريبية ولكن الشك درجته مقلقة .. ويعلم الابن جواز الأكل من المال المختلط بنية الأكل من الحلال ولكن المشكلة أن الأموال قد لا تكفي للتخلص من الحرام فيكون إذاً قد أكل من عين الحرام لأن الحلال المتبقي قد لا يكون كافيا لاستغراق ثمن الشقة.. كما يعلم الابن رأي بعض الفقهاء بجواز الأكل من الربا وعين الحرام طالما أنه وهب له ولكنه لا يدين لله بهذا الرأي ويأخذ بالرأي الآخر ويراه هو الصواب ثم في هذه الحالة بالذات فإن الأب إنما كان يمنع الزكاة ويأكل الربا لسبب واحد فقط لا غير وهو أن يوفر لابنه رخاء ماديا فهو إنما كان يجمع الحرام فقط لأجل الولد فكيف يحل للولد استخدام أموال الربا وزكاة الفقراء بعد هذا.. ولكن المشكلة أنه ما من سبيل على الإطلاق ليتأكد الولد على وجه اليقين من مقدار الحلال والحرام في المال ليعلم هل يكفي الشقة أم لا وهو قد تحرى غاية وسعه واتضح له أن الأمر فعلا مشتبه وهولا يريد أن يأكله خشية أن يكون حراما وهولا يعلم.. أعلم أن الأصل الحل ولكن عندنا يقين من منع الزكاة وأكل الربا المتضاعف مع العلم بالحكم لمدة 25 عاما.
الابن يتمنى أن يعلم ما هو التصرف الذي يرضى الله في ما يالي:
.1---......هل يرفض الزواج كما يرغب خروجا من الشبهة وربما الحرام ولا يلبي رغبة والده في الزواج ؟ وهذا يحزن الوالد قليلا ولكن لا يضع خطرا على حياته بإذن الله بعكس لو سكن في إيجار
2---.......أم يتقحم الشبهات على بصيرة- وهو كاره لذلك جدا- إرضاء لوالده ونزولا على رغبته؟ مع العلم أن الابن يشعر أنه سيظل يعيش في عذاب وشك وتعاسة وقلق وهم وغم إن فعل ذلك خشية أن يكون يأكل من الحرام والموت أحب إليه من ذلك،
أنتظر رأيكم في أقرب فرصة كما أسألكم الدعاء له و للوالد، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيرا على تحريك للحلال ونسأل الله أن يهدي والدكم ويتوب عليه، فإن منع الزكاة وأكل الربا من عظائم المحرمات، وقد جاء فيهما من الوعيد ما تقشعر له الأبدان، وقد بينا بعض ذلك في الفتويين رقم: 8026، 18988.

وأما بخصوص السؤال.. فإذا كان لا يغلب على ظنك بعد الاجتهاد والتحري أن ما بيد والدك من مال مستغرق بالزكاة والفوائد الربوية فلا يلزمك ترك تملك هذه الشقة لأن مال والدك حينئذ مختلط بين الحلال والحرام، ومن كان ماله كذلك فلا تحرم قبول هبته، فقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود وقبل هداياهم مع ما ذكر الله عنهم من أكل الربا والتعامل بالسحت.

أما إذا كان يغلب على ظنك أن مال والدك مستغرق بالزكاة والفوائد الربوية فإنه يحرم عليك تملك هذه الشقة لأن الواجب على والدك في ماله أن يصرفه في مصارف الزكاة ومصالح المسلمين، وإذا كان فقيرا فله أن يأخذ منه بوصفه فقيرا قدر ما تندفع به حاجته إلى مظنة اليسار.

يقول ابن رشد بعد كلام له في معاملة حائز المال الحرام: وسواء كان له مال سواه أو لم يكن لا يحل أن يشتريه منه إن كان عرضا ولا يبايعه فيه إن كان عينا ولا يأكل منه ن كان طعاما ولا يقبل شيئا من ذلك هبة، ومن فعل شيئا من ذلك وهو عالم كان سبيله سبيل الغاصب في جميع أحواله.

والحل الشرعي في نظرنا يتمثل في أمرين.. أحدهما يتعلق بوالدك، والثاني يتعلق بك.

أما الأمر الاول الذي يتعلق بوالدك فهو أن تحاول إقناع الوالد ودعوته إلى الله ولو بتوسيط أحد من أهل الخير والصلاح، فإن تاب وأناب فإن من أهل العلم من يرى أنه يكفيه التوبة ولا يلزمه أن يتخلص من شيء من المال، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية كما بيناه في الفتوى رقم:57390، وهذا وإن كان مرجوحا لدينا فلا مانع من أن يُفتى به الوالد تحريضا له على التوبة، قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في جوابه عمن سأله: هل يجوز للإنسان في مسائل الخلاف أن يفتي لشخص بأحد القولين، ولشخص آخر بالقول الثاني؟

قال: إن كان في المسألة نص كان الناس فيه سواء، ولا يفرق بين شخص وآخر، وأما المسائل الاجتهادية فإنها مبنية على الاجتهاد وإن كان الاجتهاد فيها في الحكم فكذلك في محله، فإذا كانت حال المستفتي أو المحكوم عليه تقتضي أن يعامل معاملة خاصة عمل بمقتضاها ما لم يخالف النص.

وأما الأمر الثاني الذي يتعلق بك فهو أن تأخذ بالعزيمة وهو الراجح في المسألة المطروحة، وألا تقبل تملك الشقة المذكورة بل تحتفظ بها في يدك لمصلحة المسلمين، ولا حرج أن تخفي ذلك في نفسك حتى تستطيع إظهاره ولو بعد حين، ولا مانع في هذه الحالة من أن تسكن فيها كما تسكن في غيرها بالإيجار وتخرج ما يمكنك وتستطيعه من أجرة مناسبة وتصرفها في مصالح المسلمين، فبهذا يمكن الجمع بين ثلاثة أمور:

الأول: العمل بما تراه ونراه راجحا.

الثاني: ما فيه مصلحة للمسلمين لأن تأجير هذه الشقة الفاخرة وصرف أجرتها للفقراء ينتفعون بها فيه مصلحة ظاهرة للمسلمين، وهو أولى من بيعها وتوزيع ثمنها على الفقراء، فينتهي بذلك مصدر دخل يمكن أن يدر عليهم الكثير.

الثالث: درء مفسدة غضب الوالد وحزنه حزنا قد يضر به وبحياته.

ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني