الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من قتل الغلام في قصة الخضر

السؤال

عندي سؤال عن قصة الخضر وقتله للغلام الكافر، الله -عز وجل- يعلم الغيب، فلماذا خلق ذاك الغلام الكافر وهو عالم أنه سيسبب لأهله أي لأبويه الضرر ثم أمر بقتله، بدلاً من أن لا يخلقه من البداية ويهب أهله غلاما مؤمنا صالحا، على سبيل التوضيح، فمثلا لو أعلم أني إذا أعطيت أخي مالاً سيشتري به حراما، ما أعطيته إياه من الأساس، لكن ما حصل في قصة ذاك الغلام، أنه وُهِبَ الحياة والله عز وجل يعلم أنه سيسبب لأهله الأذى أو الكفر ثم أمر بقتله، فقصدي أنه لماذا لا يترك خلقه من الأساس بدلاً من الخلق ثم القتل؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

لله تعالى الحكمة البالغة في تدبير أمور خلقه فالواجب التسليم له، وأما قتل هذا الغلام فقد ذهب بعضهم إلى أنه قتل لكفره ولصوصيته إيقافاً لشره عن المجتمع ومنعاً لتأثيره على أبويه وجرهما للمعاصي أو الكفر، واختلف هل قتل بعد البلوغ أو قبله وكان ذلك في شريعة الخضر.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الله حكيم في تدبيره لأمور خلقه له الحكمة البالغة فيما يقدره على عباده يخلق ما يشاء ويختار، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، يحيي من يشاء ويميت من يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

فالواجب على العبد التسليم والإذعان، وأن يعتقد أن أفعال الله كلها خير وحكمة، ولا حرج على العبد بعد التسليم أن يبحث عن حكمة شيء ما، وقد تكلم أهل العلم على مسألة الغلام، فذكر بعضهم أنه كان بالغاً وكفر بالله فحسم الله شره وتأثيره على أبويه بالقتل، ويدل لهذا إطلاق كلمة الغلام على البالغ في اللغة العربية، وقيل كان لصاً قاطعاً للطريق وكان أبواه يتستران عليه فقتله لئلا يسبب لهما الشر، وقيل كان التكليف في شريعة الخضر غير مشروط بالبلوغ فحد بالقتل للصوصيته، وقيل كان صغيراً فقتل من باب دفع الضرر كقتل الحيات والسباع العادية لا من باب القتل المترتب على التكليف، وقيل كان صغيراً وقتل لدفع شره ولصوصيته لأن الصبي إذا صال ولم يمكن دفعه إلا بالقتل قتل.

ومن الحكم والفوائد المترتبة على قتله إن كان مكلفاً إيقاف شره عن أبويه وعن المجتمع من باب تفادي أعظم الشرين بإرتكاب أخفهما، ومن الفوائد والحكم ابتلاء الأبوين حيث فرحا بميلاده ثم حزنا على فقده، فإن صبرا نالا بذلك أجرا عظيماً والدنيا كلها إلى زوال ينضاف إلى هذا أن الله أكرمهما بخير منه.

وأما قول السائل بأولوية عدم خلقه أصلاً بدلاً من أن يخلق ثم يقتل فجوابه أن الله تعالى خلق عباده لعبادته فمن عصى واعتدى عاقبه بما يشاء، ومن حكم هذا كثرة ثواب الأنبياء والدعاة والمجاهدين في دعوتهم الناس للطاعة والاستقامة وقمع أهل الفساد بإقامة الحدود الشرعية، فلا يعقل أن يقال في قاتل النفس إذا قتل لمّ لم يخلقه الله أصلاً، فالله تعالى خلق الخلق وابتلاهم وجازاهم على أعمالهم.

وراجع للبسط في الموضوع والاطلاع على كلام أهل العلم في الآية تفسير ابن الجوزي والألوسي والقرطبي والشوكاني وأحكام أهل الذمة لابن القيم.

وراجع فيه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75338، 35041، 19117، 8652.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني