الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رجع كيوم ولدته أمه

رجع كيوم ولدته أمه

رجع كيوم ولدته أمه

روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) وفي رواية له أيضًا: (من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) وعند مسلم نحوه.

شرح الحديث

قال شُرَّاح الحديث: الأحاديث الواردة في هذا الباب مستفادة من قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (البقرة:197).

قوله في رواية البخاري: (من حج لله) أي: ابتغاء وجه الله، وطلباً لرضاه. والمراد الإخلاص في العمل، بأن لا يكون قصده في الأساس تجارة، أو سياحة، أو شبه ذلك.

قالوا: و(الرفث) اسم للفحش من القول، وقيل: هو الجماع؛ وبه فسروا قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} (البقرة:187) وقيل: (الرفث): التصريح بذكر الجماع؛ وقال بعض أهل اللغة: (الرفث) كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة؛ وكان عمر وابن عباس رضي الله عنهما، يخصصانه بما خوطب به النساء. وإذا كان جمهور أهل العلم - كما قال ابن حجر - قد فسروا (الرفث) في الآية بأنه الجماع، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن اللفظ في الحديث أعم من ذلك؛ وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر في "الفتح": "والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، وإليه نحا القرطبي، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في الصيام: (فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث) متفق عليه". وعلى هذا، فالمقصود بـ (الرفث) في الحديث: الجماع، ومقدماته، وكل كلام فاحش.

ومعنى (كيوم ولدته أمه) أي: بغير ذنب. قال ابن حجر: "وظاهر الحديث غفران الصغائر والكبائر والتبِعات".

وأما (الفسوق) فهو في الأصل الخروج؛ يقال: انفسقت الرطبة، إذا خرجت، فسمي الخارج عن الطاعة فاسقاً؛ والمقصود به هنا فعل المعصية؛ إذ هي خروج عن الطاعة. وقوله عليه الصلاة والسلام: (ولم يفسق) المراد به: العصيان، وترك أمر الله تعالى، والخروج عن طريق الحق. والمعنى: لم يخرج عن حد الاستقامة، بفعل معصية، أو جدال، أو مراء، أو ملاحاة رفيق أو صديق.

وأفاد الحديث أن الحج المبرور طريق موصل إلى مرضاة الله، وثمرة ذلك أن يكون العبد من أصحاب الجنة والرضوان، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة